لماذا تثير موافقة النظام السوريّ على إيصال مساعدات عبر معبر حدوديّ المخاوف؟
يطرح الإعلان أسئلة بشأن الأسباب التي تقف خلف موقف النظام، بعدما عارض لسنوات إدخال المساعدات بلا موافقته، ولماذا تثير هذه الخطوة المخاوف إزاء مصير أربعة ملايين شخص يقيمون خارج نطاق سيطرة النظام، ويعتمدون بشكل رئيسي على المساعدات الأممية.
أطفال في مخيم للاجئين في إدلب (Getty Images)
يثير إعلان النظام السوريّ، موافقته على استخدام الأمم المتحدة لمعبر حدوديّ من أجل إيصال مساعدات حيوية إلى شمال غرب البلاد، خشية منظمات إنسانية وحقوقية، بعد فشل مجلس الأمن في تمديد العمل بآلية مطبقة منذ سنوات.
ويطرح الإعلان أسئلة بشأن الأسباب التي تقف خلف موقف النظام، بعدما عارض لسنوات إدخال المساعدات بلا موافقته، ولماذا تثير هذه الخطوة المخاوف إزاء مصير أربعة ملايين شخص يقيمون خارج نطاق سيطرة النظام، ويعتمدون بشكل رئيسي على المساعدات الأممية.
وتدخل مساعدات الأمم المتحدة إلى شمال غرب سورية، بشكل رئيسي عبر معبر “باب الهوى”، الحدودي مع تركيا، بموجب قرار صادر من مجلس الأمن الدولي (2672) يتيح إيصال الدعم الإنساني من دون موافقة النظام. كما تدخل بنسبة أقل من مناطق سيطرة النظام، الذي نادرا ما يمنح الأذونات.
وبعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسورية في شباط/ فبراير، وافق النظام على فتح معبرين حدودين آخرين مع تركيا، لفترة مؤقتة، تنتهي في آب/ أغسطس. لكن مجلس الأمن فشل، الثلاثاء الماضي، في الاتّفاق على تمديد الآلية الرئيسية بإدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى، بعدما استخدمت موسكو أبرز داعمي النظام السوري، حق النقض (فيتو) لمنع تمديد العمل بالتفويض لتسعة أشهر.
وخلال الجلسة ذاتها، قدّمت روسيا مقترحا بديلا لتمديدها ستة أشهر، رفضه المجلس، مع إصرار الأمم المتحدة وعاملين في المجال الإنساني، وغالبية أعضاء المجلس، على ضرورة تمديد الآلية سنة واحدة على الأقلّ، للسماح بتنظيم أفضل للمساعدات، وضمان إيصالها إلى مستحقّيها.
والخميس، أبلغ النظام السوري، الذي طالما اعتبر إدخال المساعدات من دون موافقته خرقا لسيادته، الأمم المتحدة أنه سيسمح بعبور المساعدات الأممية، عبر باب الهوى، لمدة ستة أشهر.
وتبيّن، وفق وثيقة وجّهها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانيّة التابع للأمم المتحدة (أوتشا) إلى مجلس الأمن، أن النظام السوري وضع شرطين، يتمثّل الأول في “تشديد الحكومة (التابعة للنظام) على وجوب ألّا تتواصل الأمم المتحدة مع كيانات مصنّفة ’إرهابيّة’”.
كما تشترط أن تشرف اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري على توزيع المساعدات.
وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) المصنفة “إرهابية”، على نحو نصف مساحة إدلب ومحيطها.
ويقطن نحو ثلاثة ملايين شخص، غالبيتهم من النازحين، مناطق سيطرة الهيئة، بينما يقيم 1,1 مليون في مناطق الفصائل الموالية لأنقرة المحاذية. ويحتاج غالبية سكان تلك المناطق المكتظة بخيمات النازحين مساعدات ملحّة، بعد سنوات من النزاع، والانهيار الاقتصادي، وتفشّي الأمراض، وفقر متزايد فاقمه الزلزال.
ووصفت الأمم المتحدة الشرطين بـ”غير المقبولين”.
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، إن على الأمم المتحدة وشركائها، أن “يستمرّوا في التواصل مع الجهات الحكوميّة وغير الحكوميّة المعنيّة، وهو أمر ضروري من الناحية التشغيليّة لإجراء عمليّات إنسانيّة آمنة وبلا عوائق”.
واعتبر أن الطلب الثاني “لا يتوافق مع استقلاليّة الأمم المتحدة، كما أنه ليس عمليا، لأنّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري، ليسا موجودَين في شمال غرب سورية”.
“مزيد من الموت والمعاناة بين المدنيين”
وتنبّه منظمات عدة إلى مخاطر مترتبة على السماح للنظام، بوضع يده على إدخال المساعدات، خشية تسييسها وحرمان المحتاجين منها.
وشدّدت لجنة الإنقاذ الدولية، وهي من كبرى المنظمات العاملة في إدلب، والمناصرة لتمديد العمل بآلية المساعدات عبر الحدود، على مسؤولية مجلس الأمن في “حماية السوريين أينما كانوا، وضمان عدم تعريض الأرواح للخطر”.
ونبّهت منظمة “ميد غلوبال” التي تدير عيادات ومستشفيات وبرامج تلقيح في إدلب إلى أن “نقل السيطرة على باب الهوى، الذي يتدفق عبره الغذاء والدواء وحليب الأطفال… من طرف محايد (الأمم المتحدة)، إلى نظام ذبح شعبه وشرّد نصف عدد السكان، سيؤدي إلى مزيد من الموت والمعاناة بين المدنيين الأبرياء، وسيطلق أزمة لاجئين” جديدة.
وقرابة نصف المقيمين خارج سيطرة النظام في إدلب ومحيطها، هم نازحون بفعل المعارك منذ اندلاع النزاع المدمر، الذي أودى منذ 2011، بأكثر من نصف مليون شخص.
ولطالما كرّر رئيس النظام، بشار الأسد، عزمه على استعادة المناطق الخارجة عن سيطرته، عبر التفاوض أو القوة العسكرية.
ويرى الباحث في معهد “نيولاينز”، نيك هيراس، أن النظام “يظهر ثقة متزايدة في قدرته على الاحتواء، ومع مرور الوقت، تقليص المناطق” الخارجة عن سيطرته.
ويقول إن النظام الذي استعاد مؤخرا مقعده في جامعة الدول العربية على وقع انفتاح عربي نحوه، وخصوصا خليجي، يريد أن “يبسط سلطته على المعابر الحدودية”. ولا يستبعد أن يعمل وحلفاؤه على فرض ذلك “بالقوة” في المستقبل القريب.
“بداية النهاية والذهاب إلى الاعتراف” بالنظام
وفي بيان السبت، رأى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، أبرز تشكيلات المعارضة في المنفى، أن “نظام الأسد المسؤول بشكل رئيسي ومباشر عن تهجير ملايين السوريين، لا يمكن أن يقدم لهم أي خدمات إنسانية”.
ويراهن أعضاء في مجلس الأمن ومنظمات على العودة إلى طاولة التفاوض.
وقالت السفيرة السويسرية، باسكال بيريسويل، والمكلفة بلادها مع البرازيل بهذا الملف في مجلس الأمن، إنّ الدبلوماسيين، “سيعاودون العمل على الفور لإيجاد حلّ”.
وتقول الباحثة في الشأن السوري لدى منظمة “هيومن رايتس ووتش”، هبة زيادين، إن “على أعضاء مجلس الأمن العودة إلى طاولة المفاوضات، والتوصل إلى توافق يضع حقوق السوريين في المقام الأول”.
ويعرّض السماح لسلطات النظام السوريّ، “بإملاء تدفق المساعدات إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، حياة وحقوق وكرامة ملايين السوريين لخطر جسيم”، وفق زيادين.
وفي إدلب، يقول الناشط عبد الوهاب عليوي (46 عاما): “نرفض الأمر ولو قطعوا عنا المساعدات”.
ويضيف أنه تمّ “تسليم (رئيس النظام، بشار) الأسد هذا الملف، يعني بداية النهاية والذهاب إلى الاعتراف بنظامه”.
المصدر: عرب 48