Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

لماذا ترتفع أسعار القهوة؟ تاريخ موجز للقهوة والاستعمار

يصل السعر الحالي لرطلٍ من حبوب البن العربي في أسواق السلع العالمية 3,84 دولار، ويعتبرُ هذا رقم قياسي، كما أنه في صالح منتجي القهوة. بيد إن أسعار هذه السلع الأساسية قد ترْشحُ قريبًا إلى شاربي القهوة في جميع أنحاء العالم. كيف يتفاوض كبار مشتري القهوة مثل ستاربكس مع المنتجين؟ وكيف يتواصل تاريخ الاستعمار بوضوح في تجارة القهوة؟ وما العلاقة بين القهوة وبداية الديمقراطية؟

هذه ليست إلّا أمثلة قليلة من الأسئلة التي طرحتها في محادثتي الأخيرة مع آدم توز، كاتب العمود الاقتصادي في مجلة فورين بوليسي، في البودكاست الذي نستضيفه معًا. ما يلي هو مقتطفٌ من المُقابلة بعد تحريره من أجل الاختصار والوضوح.

كاميرون أبادي: ما الذي يؤهل القهوة لتكون سلعة عالمية في المقام الأول؟

آدم توز: السلعة عمومًا كما درج هي أي سلعة تُشترى وتُباعُ وتستخدم في تصنيع سلعةٍ أخرى. أي إنها تعدُّ مدخلات في إنتاج سلع وخدمات أخرى وليست سلعًا تامة الصنع تباع للمستهلكين، وخاصة تلك التي تحمل اسم علامة تجارية. لذا فإن السلعة تعني أيضًا قابلية التبادل. وهذا يعني أن ما يهم هو فقط استلام السلعة وفقط. فأنت تشتري أطنانًا غفيرة من المنتج س. عندما نتحدث عن سوق النفط باعتباره السلعة الأكثر ضخامة، فإن جميع المتخصصين في النفط سيخبرونك أن النفط الفنزويلي مختلف تمامًا في الواقع عن نفط تكساس، والذي يختلف تمامًا عن خام برنت. لكن كل واحدة منها تعتبر سلعة يجري تداولها، ولا تحتاج إلى الاستفسار عن منصة الحفر المحددة التي تأتي منها. لذا فإن النفط سلعة أساسية، وكذلك الفحم وخام الحديد والقهوة والكاكاو والقمح، كما يمكن أن تكون رقائق الذّاكرة العامة (generic memory chips) أيضًا سلعًا أساسية، على خِلاف رقائق إنفيديا الراقية، حيث تكون بعض الرقائق المحددة والشركة المُصنِّعة مهمة.

البرازيل نقل محاصيل حبوب القهوة (Getty images)

نعتقد من الناحية التاريخية أن أول من استخدم القهوة، وفقًا للأسطورة، هو راعي ماعز في إثيوبيا، والذي اكتشف التأثير المنشط للقهوة. وكان الرهبان الصوفيون في اليمن يستعملونه. أي أن القهوة أتتنا من منطقة القرن الأفريقي على نحوٍ أساسي. وقد أصبحت طعامًا أساسيًا في اليمن وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط ثم انتشرت إلى الإمبراطورية العثمانية ومن هناك إلى أوروبا الحديثة المبكرة. كانت القهوة مثيرة للجدل في البداية. وكان على الكنيسة الكاثوليكية أن تجري نقاشًا كبيرًا حول هذا الموضوع في أواخر القرن السادس عشر. وكان البابا كليمنت السابع هو الذي أصدر فتوى بشأن جواز تناول القهوة، ولهذا السبب تمتنع بعض الطوائف المسيحية مثل كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة، المورمون، عن شرب القهوة لأنهم يعتقدون أنها منبه غير مسموح به. بحلول القرن السابع عشر، وصلت عدوى القهوة إلى إيطاليا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط والهند وجزر الهند الشرقية وأوروبا الغربية. بدأت المقاهي في الافتتاح في لندن في خمسينيات القرن السابع عشر. وأول مقهىً هو Pasqua Rosée's Head، الذي افتتح في عام 1652. كان مالكه خادم يوناني لأحد مستوردي القهوة التركية والذي قام بتأسيس أول مقهى. وصل إلى الأميركتين في القرن التاسع عشر. ونحن نتحدث هنا عن الاستهلاك فقط.

والجانب الآخر من السلعة هو الإنتاج بالجملة، وجزء من ذلك مدفوع بقصة الانتشار الخارجي لإنتاج القهوة من القرن الأفريقي في شرق أفريقيا، إلى جاوة في تسعينيات القرن السابع عشر على يدِ المستعمرين الهولنديين إلى مارتينيك، وسانت دومينغو [هايتي الآن] على يدِ الفرنسيين، ثم البرازيل على نحوٍ حاسم، والتي أصبحت بحلول أربعينيات أو خمسينيات القرن التاسع عشر أكبر منتج للقهوة في العالم، حيث مثلت حوالي 40٪ من الإنتاج. وهذا ممكن بسبب اعتماد صناعة القهوة على العبودية. وبحلول النصف الأول من القرن التاسع عشر، كان هناك حوالي 1.5 مليون عبد يشاركون في إنتاج القهوة البرازيلية. عندما حُظِرت تجارة الرقيق الأجنبية، استمرت المزارع البرازيلية في استخدام العمالة المستعبدة من السكان المحليين حتى إلغاء العبودية أخيرًا في البرازيل، وهو أمر كان متأخرًا جدًا، في عام 1888.

تظل البرازيل اليوم المنتج المهيمن بنسبة 37٪. وبعدها فيتنام كثاني أكبر منتج عالمي، حيث تمثل 17٪. أما كولومبيا وإندونيسيا فحصتهما 7 أو 8 في المئة لكل منهما. وأثيوبيا، الموطن الأصلي للقهوة، لا تنتج سوى 4٪. وهذه في الواقع مشكلة كبيرة الآن مع الاتحاد الأوروبي لأن القهوة تُنتج على نطاق صغير على أيدي الفلاحين في إثيوبيا، والاتحاد الأوروبي يفرض قواعد لاستخدام الأراضي تشكل عبئًا عليهم.

كاميرون أبادي: كيف يتفاعل كبار مشتري القهوة مثل ستاربكس مع سوق السلع الأساسية هذه؟ هل تكتسب شركة ستاربكس نفوذًا على مورديها بطريقة ما؟

آدم توز: تشتري شركة ستاربكس القهوة من 400 ألف مزارع في أكثر من 30 دولة. لذا ثمة تفاوت كبير في الحجم، وفي قوة الشركات وغيرها من التفاصيل بين ستاربكس والأشخاص الذين يزودونها. وبالتالي، فإن تجارة القهوة العادلة، إذا كنت مهتمًا بالمساواة العالمية، تستحق ذلك بالتأكيد. وهذا أمر يمكن أن تؤدي فيه اختيارات المستهلكين في الأسواق الغنية إلى إحداث فرق على نطاق صغير بالنسبة للمزارعين الأفراد والمشترين الأفراد.

بيد إن ما يميز سوق القهوة، على عكس سوق الكاكاو، هو أن الشراء متوزعٌ نسبيًا. وبالتالي فإن شركة ستاربكس، التي تعد أكبر مشترٍ للقهوة في العالم، تشتري 3٪ فقط من إجمالي مبيعات القهوة العالمية. وإذا قرأت عن عمليات ستاربكس، يبدو الأمر كما لو كانت شركة تشبه إلى حد كبير سوقًا ماليًا كبيرًا. ولذلك يتعين على ستاربكس أن تحمي نفسها ضد مخاطر التقلبات الكبيرة في أسعار القهوة العالمية. لذا فإن السعر الذي بدأت به يعتبر تحديًا كبيرًا بالنسبة لستاربكس.

ومن المثير للاهتمام للغاية أن نرى كيف أنهم كانوا يفعلون هذا. لفترة طويلة، كانوا يعتمدون على العقود ذات السعر الثابت، وهي طريقة لتأمين نفسك ضد المستقبل. والأمر الخطير في هذه الحالة هو انخفاض سعر القهوة، والتزامك بدفع سعرٍ أعلى من السوق. ولكن إذا اخترت عقودًا طويلة الأجل بسعر ثابت وتحرك السعر، فسوف يتعين عليك أساسًا نشر الضمانات لأنك معرض للمخاطر. والبنوك التي تسمح لك بالدخول في المعاملات الآجلة تريد أن تتأكد من قدرتك على تغطية المخاطر. ويصبح هذا الأمر مكلفًا في حد ذاته.

وتعمل شركة ستاربكس حاليًا على تقليص برنامج التحوط الخاص بها، وبالتالي تكون على استعداد لتحمل المزيد من المخاطر في هذا السوق. هذا ليس حديثًا عن احتكار ضخم. هذه شركة كبيرة جدًا ومتطورة جدًا. ولكن عندما يتعلق الأمر بسوق القهوة، فهي ليست اللاعب المهيمن الوحيد. يتعين عليها أن تحمي نفسه ضد المخاطر. وما تفعله شركة ستاربكس على نطاق واسع وعلى نحوٍ متزايد هو في الواقع الاحتفاظ بمخزون من القهوة المادية. وبالتالي، بدلًا من حماية نفسها عن طريق العقود، فإنها تحتفظ بنحو 920 مليون دولار من القهوة الخضراء والمحمصة الجاهزة للاستخدام كحاجز ضد تقلبات السوق الفورية.

إن الأخبار التي نتناقلها عن الأسعار المرتفعة مفيدة لمزارعي القهوة في جميع أنحاء العالم. المشكلة تكمن في التجار الصغار الذين يقعون ضحية لهؤلاء. فلو كان لديك مزرعة قهوة، ولديك مُصدّر، ولديك مشترٍ كبير، والمُصدّر عالقٌ في المنتصف بين ستاربكس الذي يحاول المطالبة بسعر ثابت وبين المزارعين الذين يدفعون الأسعار إلى الارتفاع. ولقد تعرض مصدرو القهوة لضغوط هائلة لأنهم مضطرون إلى جمع الديون لدفع مستحقات المزارعين، وهم غير قادرين دائمًا على استرداد هذه الديون عندما يبيعون في السوق. لذا فهو سوق يتعرض لضغوط كبيرة، واللاعب الأكبر فيه يشكل 3٪ منه.

كاميرون أبادي: هل لا يزال تاريخ الاستعمار واضحا في تجارة القهوة اليوم؟

آدم توز: ما يزال الاقتصاد العالمي بأكمله مرآة للعصر الاستعماري إلى حدٍ كبير. إن أغنى دول العالم هي نفسها دول إمبريالية، أما الدول الأكثر فقرًا فهي ضحايا للسياسات الاستعمارية. وهذا أمر مسلم به. لكن الأمر مثير للإعجاب للغاية. وبالنسبة لبعض السلع الأساسية، تساوت هذه التأثيرات. الهواتف المحمولة مثلًا: أصبحت منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا تتمتع الآن بتغطية كاملة جدًا للهواتف المحمولة. وعلى الرغم من أنها موطن لأفقر الناس في العالم، ولم تجد مكانها في التقسيم العالمي للعمل الذي تحتاجه. وفي مناطق معينة، وفي مجالات محدودة من التكنولوجيا، فإنهم يتنافسون. ولكن في جوانب أخرى، فيما يتصل بالمعدات الرأسمالية الأساسية، فإن الأمر ليس كذلك. وأيضًا فيما يتعلق بأنواع الاستهلاك المختلفة، مثل استهلاك القهوة، فهم لا يستهلكونها. وهنا نرى حقًا أن آثار الاستعمار ما تزال محفورة.

فيما يتعلق بالقهوة، فإن استهلاكها مرتبطٌ بالأنماط الثقافية رأسًا. هناك استهلاك مرتفع بشكل لا يصدق للقهوة، خاصة في شمال أوروبا، حيث الأرقام جنونية. مثلًا: لدى فنلندا الرقم القياسي العالمي المتمثل في استهلاكِ 26 رطلًا من القهوة للفرد سنويًا. وهذا يعادل نصف رطل من القهوة للشخص الواحد في الأسبوع. الأرقام جنونية جدًا. لا بدّ أنم يشربونه باستمرار. تأتي البرازيل في المركز الرابع عشر بـ 13 رطلًا للفرد. أمّا الولايات المتحدة فاستهلاكها متواضع نسبيًا، إذ تحتل المركز 25 بمتوسط 9 أرطال. لكن حدود توسع القهوة هي الصين، حيث أصبحت القهوة رمزًا للمكانة الاجتماعية بالنسبة للشباب الصيني، إلى جانب شاي الفقاعات، ولكن القهوة هي أحدث ما توصل إليه الاستهلاك على النمط الغربي. وهذه سوق ضخمة لأن الصينيين يستهلكون حاليًا حوالي نصف رطل من القهوة للفرد الواحد. الاستهلاك في المدن الكبرى أكبر من ذلك بكثير، ولكن هذا في جميع أنحاء البلاد. وهكذا، إذا كنت تعمل في مجال القهوة، فإن رؤية ما إذا كان بإمكانك اقتحام هذا السوق هو احتمال هائل. ولقد كانت هناك بالفعل عمليات تعبئة واسعة النطاق لرأس المال على أمل بناء علامة تجارية شبيهة بستاربكس في الصين، أي سلسلة مقاهي تتمتع بهذا النوع من الانتشار.

كاميرون أبادي: كتب الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس عن كيفية ارتباط القهوة ارتباطًا وثيقًا بصعود الليبرالية السياسية في الغرب من خلال المقاهي باعتبارها الأماكن التي بدأ الناس فيها الاجتماع والتحدث عن السياسة. ما الدور المحدد الذي أدّته القهوة في هذه القصة؟

آدم توز: هذه هي أطروحة هابرماس الكلاسيكية الثانية، «التحول البنيوي للمجال العام». بالنسبة لهابرماس، كان هذا في الواقع نوعًا مهمًا من التوسع في الحجة الماركسية لأنه أراد أن يُظهر أن التطور الحديث والتطور الرأسمالي قدَّمَا وعودًا حول الخطاب الديمقراطي المفتوح لكنهما فشلا في الوفاء بها. كانت حجته هي أن الرأسمالية الحديثة المبكرة، من خلال تجارة القهوة، فتحت مساحات للحوار، أي المقاهي التي انتشرت في لندن منذ منتصف القرن السابع عشر. كانت هذه هي الأماكن التي يمكنك الذهاب إليها وشرب كوبٍ من مشروبٍ منشط ولكن دون أن تثمل. كانت هذه ابتكارات جديدة، وأماكن جديدة للالتقاء، حيث كان هناك اختلاط أرستقراطي مع البرجوازية التجارية الجديدة. وهذا ما يجعلها، بالنسبة لهابرماس، مركزية إلى هذا الحد.

وكما تعلمون، فقد اعتُرِف بذلك في ذلك الوقت. أعني أنه بحلول العقد الأول من القرن الثامن عشر، كان هناك 3000 مقهى مفتوح في مختلف أنحاء بريطانيا. وكانت الحكومة البريطانية قلقة للغاية بشأن هذا الأمر. وفي عام 1675، قام الملك تشارلز الثاني، الذي عادت إليه السلطة بعد الثورة الإنجليزية، بقطع رأس والده، وعندما عاد إلى لندن، كان أحد الأمور التي قام بها هو إصدار مرسوم ضد الحديث المخالف في المقاهي. وليس بدون سبب. في الصراع بين بريطانيا ومستعمراتها في أميركا الشمالية بعد مرور مئة عام، يلعب المقهى مرة أخرى دورًا حاسما للغاية. الناس يعرفون بطبيعة الحال أن الشاي والضرائب المفروضة على الشاي أصبحت واحدة من القضايا الرئيسة التي أدت إلى غضب المستعمرين في نيو إنغلاند ضد لندن. ونتيجة لذلك، أعلن الكونجرس القاري القهوة بوصفها المشروب الوطني لأمريكا احتجاجًا على الضرائب البريطانية. وفي فيلادلفيا وفي بوسطن وفي ويليامزبرغ، كانت المقاهي مراكز للاضطرابات السياسية في الولايات المتحدة أيضًا في القرن الثامن عشر. وهذا هو الدور الذي أدته أيضًا في الثورة الفرنسية بعد بضعة عقود من الزمن. يرتبط التاريخ الاستعماري للولايات المتحدة وتاريخها الثوري أيضًا بالقهوة ارتباطًا مباشرًا. لذا، في تاريخ الثورة الليبرالية، كما يسمى، في أوائل العصر الحديث والقرن الثامن عشر، كان للقهوة دور مهم للغاية.

المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *