Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

لماذا يهدد دونالد ترامب بالسيطرة على قناة بنما؟

إذا أقدم ترامب على الاستيلاء على القناة بالقوة، فسوف يؤدي ذلك إلى تقويض موقف الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية على نحوٍ كبير. ومن المرجح أيضًا أن يدفع ذلك العديد من الدول القلقة في المنطقة إلى الانسحاب من منظمة الدول الأميركية

سأل أحد المراسلين ترامب في مؤتمر صحفي عقده يوم 7 يناير/كانون الثاني عمّا إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على استخدام القوة العسكرية للاستحواذ على قناة بنما. رفض ترامب استبعاد هذا الاحتمال، وقال «نحن بحاجة» إلى القناة من أجل الأمن الاقتصادي. لا يُبشِّر رفض الرئيس المنتخب استبعاد غزو بنما بالخير فيما يتصل باحترامه للحدود الوطنية بشكل عام، وفي أميركا اللاتينية على نحوٍ خاص.

كانت قناة بنما مرتبطة دائمًا بالقوى الخارجية. كانت فكرة ربط المحيطين العظيمين من خلال قناة من صنع الإنسان هي الفكرة الأولى التي طرحها المستكشف والفاتح الإسباني فاسكو نونيز دي بالبوا في القرن السادس عشر. ولكن الأمر لم يكن كذلك إلا في ثمانينيات القرن التاسع عشر، عندما بدأ الفرنسيون العمل على المشروع، بعد نجاحهم في بناء قناة السويس في مصر.

وأخيرًا انتُهي من العمل عليه في عهد الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت. ومنذ بداية المشروع الأميركي في عام 1903 وحتى عام 1979، ظلت قناة بنما والمنطقة المحيطة بها (تمتد خمسة أميال على كلا الجانبين) أرضًا أميركية بحكم الأمر الواقع بموجب معاهدة منطقة قناة بنما، أو معاهدة هاي-بوناو-فاريلا كما كانت تُعرف رسميًا. ومارست الولايات المتحدة وبنما السيطرة المشتركة على القناة على مدى العقدين التاليين، قبل أن تسلمها الولايات المتحدة إلى بنما في عام 1999.

شكوى ترامب

كان بناء القناة مشروعًا ضخمًا. بلغت تكلفة المشروع للأميركيين حوالي 375 مليون دولار أميركي (أي ما يعادل حوالي 13 مليار دولار أميركي)، ما جعله مشروع البناء الأكثر تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة في ذلك الوقت. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة ضخت أيضًا الكثير من الموارد في بناء وصيانة وتشغيل هذا الممر المائي الدولي الرئيس بنجاح. من بين 40 ألف عامل (كان العديد منهم غير أميركيين على الأرجح) الذين عملوا في بناء القناة، لقي أكثر من 5600 منهم حتفهم بسبب الحوادث والأمراض.

لكن غضب ترامب موجه إلى الظلم الذي يشعر أنه وقع على الولايات المتحدة من قبل البنميين في السنوات الأخيرة. وزعم كذبًا أن بنما سلمت تشغيل هذا المشروع الأميركي الضخم إلى الصينيين.

صرح ترامب في السابع من يناير/كانون الثاني: «انظروا، قناة بنما حيوية لبلدنا. تُشغلها الصين. الصين! لقد أعطينا قناة بنما لبنما، ولم نعطها للصين. وقد أساءوا استعمالها. لقد أساءوا استعمال هذه الهدية. بالمناسبة، لم يكن من المفترض أن يتم ذلك أبدًا».

وتدير شركة هوتشيسون-وامبوا، التي يقع مقرها في هونغ كونغ، اثنين من الموانئ في طرفي القناة. لكن القناة بأكملها تديرها وكالة حكومية مستقلة، وهي هيئة قناة بنما. وبسبب الترتيبات المعاهدة القائمة بين الولايات المتحدة وبنما، لا يستطيع ترامب السيطرة على القناة قانونيًا. ولكن ليس هناك ما يمنعه من تنفيذ عملية انقلاب عسكري. وهناك سوابق لذلك في تاريخ التدخلات الأميركية في أميركا اللاتينية.

أشرف الرئيس جورج بوش الأب في يناير/كانون الثاني 1990 على سبيل المثال على الإطاحة بالرئيس البنمي مانويل نورييغا، المحمي من الولايات المتحدة سابقًا. أدّى الغزو العسكري الذي استمر لمدة شهر، وأطلق عليه اسم عملية القضية العادلة، والتي أطلقت تحت ذريعة حماية المصالح والأمن الأميركيين في المنطقة، في النهاية إلى مقتل 23 جنديًا أميركيًا و150 فردًا من قوات الدفاع البنمية وحوالي 500 مدني.

ومن المرجح أن تلقى حجة ترامب بأن قناة بنما تشكل «أصلا وطنيا حيويا» للولايات المتحدة و«ضرورية» لحماية وتعزيز اقتصادها وأمنها صدى لدى صقور الحربِ في إدارته وكذلك قاعدته الشعبية.

النيران تلتهم المباني في مدينة بنما خلال الاشتباكات بين قوات الدفاع البنمية والقوات الأميركية خلال غزو بنما في ديسمبر 1989

الدور الأميركي في أميركا اللاتينية

تدخلت الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا في بلدان أميركا اللاتينية على مدى المئتي عام الماضية. وقد اتُخذت هذه التدخلات في المقام الأول بهدف وقف انتشار الأنظمة والأيديولوجيات التي تعتبر معادية للمصالح الأميركية. ورغم أن هذه التدخلات انتهكت سيادة الدول، فإنها لم تكن تهدف صراحة إلى سيطرة الولايات المتحدة على أراض أجنبية. وإنما تعلقت بتنصيب أو دعم زعيم تشعر الولايات المتحدة بأنه يخدم مصالحها.

دبرت الولايات المتحدة خلال سنوات الحرب الباردة على سبيل المثال أكثر من اثني عشر انقلابًا في أميركا اللاتينية، من البرازيل وتشيلي إلى السلفادور وغرينادا. لكنها لم تحتل أراضي تلك الدول أبدًا. إلا أن خطاب ترامب الأخير أثار قلق البنميين عن حق. في مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي في أوائل كانون الأول/ديسمبر 2024، قال رئيس بنما، خوسيه راؤول مولينو: «كرئيس، أريد أن أصرح بوضوح أن كل متر مربع من قناة بنما والمنطقة المجاورة لها مملوكة لبنما وستظل كذلك». ومنذ ذلك الحين، وصف المسؤولون البنميون سيطرة بنما على الممر المائي بأنها «غير قابلة للتفاوض».

إذا أقدم ترامب على الاستيلاء على القناة بالقوة، فسوف يؤدي ذلك إلى تقويض موقف الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية على نحوٍ كبير. ومن المرجح أيضًا أن يدفع ذلك العديد من الدول القلقة في المنطقة إلى الانسحاب من منظمة الدول الأميركية، وهي المؤسسة الحكومية الدولية التي تضم معظم دول أميركا الشمالية والجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي.

والأسوأ من ذلك أن هذا قد يشجع أيضا العديد من الدول الخائفة على السعي علنًا إلى إقامة تحالفات عسكرية مع أعداء الولايات المتحدة، مثل روسيا والصين وإيران، وهي النتيجة التي من شأنها أن تؤدي إلى العكس التّام لتعزيز الأمن الأميركي. وهكذا، فإن فرص سيطرة إدارة ترامب المقبلة على قناة بنما بالقوة تبدو مستبعدة للغاية من الناحية العملية.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *