لن يبقى شيءٌ كما كان..
لن يعود المجتمع الإسرائيلي إلى ما كان قبيل هذه الحرب، وكذلك الفلسطينيون والعرب.
اهتز المجتمع الإسرائيلي من أعماقه، وفقد توازنه، وما زال يحاول من خلال تأييده العدوان والمزيد من الجرائم إعادة ما فقده من ثقة بالنفس وتقديس للقوة. لقد أدرك المجتمع الإسرائيلي في أعماقه أنّ العتاد العسكري الحديث وقوته التدميرية ودقته أو عدمها ليس ضمانة للعيش الآمن في المنطقة العربية.
أدرك المجتمع الإسرائيلي أن السّلام لا يتحقق من غير حلٍّ حقيقي للقضية الفلسطينية، بل أنّ ما حقق حتى الآن أصبح مهدّدا بالتّلاشي.
ما زالت آثار وتأثير جرائم الاحتلال الفرنسي في الجزائر ماثلة رغم مرور عقود ولن تمحى وما زال العرب ينظرون إلى الفرنسيين كعنصريين ومجرمين، وما يفعله الاحتلال الإسرائيلي هو تأبيد للعداء مع العرب، وليس مع الفلسطينيين لوحدهم.
لقد أدرك العرب الذين لم يكونوا قد أدركوا بعد، بأنّ الكيان الصهيوني لا يبحث عن السّلام كما أوهم بعض العرب والعجم، وأن ما يسعى إليه هو طرد الشعب الفلسطيني من وطنه.
أثبتت هذه الحرب أنّ الهدف النهائي للصهيونية لم ينته بعد، بل أنّها ما زالت في ذروة هجومها، وأن الأهداف التي وضعها قادتها ما زالت قيد التنفيذ ولن يتردّدوا عن ممارسة التطهير العرقي إذا ما أتيحت الظروف، وهذا ما يجري حاليا في قطاع غزة، وهو ليس بعيدا عن الضفة الغربية، كذلك فإن حال فلسطينيي 48 لن يكون أفضل في نهاية الأمر، فالدولة تعتبرهم معضلة تبحث عن طرقٍ لحلّها، وبالتأكيد ليس عبر إقامة قرى جديدة لهم لاستيعاب تكاثرهم الطبيعي، ولا لمنحهم “أراضي دولة” يقيمون عليها بيوتهم.
لن تمتثل إسرائيل للقانون الدولي لأنّ ما بنت عليه كينونتها يتعارض مع الشّرعية الدولية، وعليه فهي عُنْصرية بالضّرورة، ومن دون العنصرية والعنف لن تتوسّع ولن تستطيع مصادرة المزيد من الأرض.
دحض الاحتلال أوهامًا حاولت الأنظمة العربية بيعها لشعوبها، إذ زعمت بأنّ التطبيع يمنحها قدرة التأثير على أصحاب القرار في إسرائيل، وأنّها بعلاقتها هذه تحول دون تدهور الأوضاع إلى ما هو أسوأ.
أثبتت حكومة الاحتلال بأنّها لا تقيم وزنًا للأنظمة العربية ذات العلاقة معها، أما السماح لدول مثل الأردن ومصر والإمارات بإسقاط مواد غذائية من الجو بصورة مهينة، ويؤكد عجز هذه الأنظمة عن إدخال المساعدات بصورة منظمة وتحترم البشر.
كشفت هذه الحرب عجز السُّلطة الفلسطينية عن ممارسة أي دور في كبح جماح المستوطنين وعدوانهم في الضّفة الغربية، وأن دورها محدودٌ جدًا وفقط بما يرضى عنه الاحتلال.
أظهرت أنّ أكثر الأنظمة العربية لا تحترم رغبات شعوبها ولا تمثّل نبضها.
أثبتت هذه الحرب أن الشّعوب العربية كلها تصطف إلى جانب الشّعب الفلسطيني وتشعر بمسؤولية دينية وقومية تجاه فلسطين وشعبها وتعتبرها قضيتها الأولى رغم مشاكلها الداخلية، والقمع والتضليل الذي تتعرّض له.
سيزداد وضع المواطنين العرب في إسرائيل سوءا، وتتراجع مكانتهم أكثر وأكثر ويتفاقم التمييز العنصري الممنهج، وخصوصًا بعد الحديث عن قانون تجنيد اليهود المتديّنين ومطالبة وزير التعاون الإقليمي بتجنيدهم، سيبقى العرب خارج إطار الخدمة العسكرية، وسوف تكون هذه الذريعة الأساسية لتعميق الممارسات العنصرية.
الإجراءات الجديدة بالنّسبة للتوظيفات في جهاز التربية والتعليم ورقابة الشاباك، موجهة في الأساس إلى المواطنين العرب، وذلك كي يكون جهاز التربية والتعليم وسيلة ابتزاز للمتقدّمين للعمل كموظّفين ومعلمين في جهاز التدريس، ووسيلة ضغط وكمٍّ لأفواه المدرّسين والمديرين الذين سيطلب منهم كم أفواه الطّلاب، وتربيتهم على الرّواية الصهيونية، أي العودة بالعرب إلى زمن الحكم العسكري ومعاقبة المعارضين من خلال حرمانهم من العمل.
كشفت هذه الحرب أن الموقف هو الأساس في تقييم البشر وعلاقتهم بقضية عادلة مثل قضية شعبنا، وليس انتماءهم الديني أو القومي، فمواقف الشعوب وحكومات دول أجنبية ظهرت بوضوح أقوى إلى جانب الحقّ الفلسطيني، في حين عوقب من رفع علم فلسطين أو هتف لها في بعض الدول العربية،
كذلك كشفت أن من يحاولون تقسيم المسلمين إلى محور شيعي ومحور سُّني ويغذون هذه النزعة هم أولئك الذين توجّههم أصابع أجهزة الظلام، وهي نفسها التي زرعت داعش ورعته، بهدف تشتيت طاقات الشّعوب العربية والإسلامية، لضمان استعبادها وحرمانها من مواردها وإبقائها في دائرة العجز والفقر.
المصدر: عرب 48