ماذا أكده تصريح ترامب!
أكّد تصريح دونالد ترامب حول تهجير مليون ونصف مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى مصر والأردن، أنّ حلقة جديدة من الصّراع قد بدأت، وهو ما يسمى اليوم التالي للحرب. هذا الاقتراح ليس جديدًا، وقد طُرح ونشر عنه في ستينيات القرن الماضي، ولكن القيادة العربية الحازمة بقيادة جمال عبد الناصر، ووجود تحالفات دولية برئاسة الاتحاد السوفييتي، جعلت من تطبيقه أمرًا مستحيلا.
كشف تصريح ترامب أن هجوم السّابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ليس السّبب لما تعرّض له قطاع غزّة من حرب إبادة، بل إنه اتّخذ كذريعة لإطلاق مخطّط موجود في الأدراج.
صحيح أن طوفان الأقصى وما حدث خلاله، جعل شنّ حرب الإبادة أكثر سهولة، وخصوصا في بدايتها، ومنح ذريعة لتواطؤ المتواطئين مع الاحتلال من عرب وأجانب، ولكن المخطّط موجود وجاهز بانتظار فرصة التنفيذ.
برهن تصريح ترامب أنّ خدمة الاحتلال والتواطؤ معه، لا يعفي الدّول العربية الجارة لفلسطين من إسقاطات ما يجري، وأنّ التخاذل خلال فترة الحرب، لم يعفها من الاعتداء على سيادتها ومطالبتها عبر الضغط الأميركي إلى القبول بما يمليه ترامب، والرّضوخ لمشروع إسرائيل الكبرى الذي يرى في الأردن وطنًا للفلسطينيين، بعد تطهير غربي النهر منهم، وفي سيناء، وطنا بديلا لسكان القطاع.
تصريح ترامب جاء ليؤكد أنّ الصّراع ليس صراع الفلسطينيين لوحدهم في مواجهة الصهيونية وأميركا، كما يريد حصره البعض، بل هو صراع عربي شامل، يهم كل مواطن في الوطن العربي، كما يهم أبناء فلسطين.
لا يمكن تجزئة صراع المنطقة العربية في مواجهة الأطماع الصهيونية، فهي رأس حربة للاستعمار الغربي، وامتداد له يطمح إلى السيطرة على المنطقة ومقدراتها، وليس على البترول أو ريعه فقط، كما يجري في الواقع من خلال إرغام الدول المنتجة للنفط على الاستثمارات الهائلة في أميركا، وشراء المنتجات الأميركية التي تسمى “صفقات سلاح”، لا فائدة ترجى منها، سوى أنّها وبال على شعوب المنطقة، ثم تحويل أرباحها كمنح بالمال والسّلاح للاحتلال.
أميركا بمختلف قياداتها ليست صديقة لأحد في المنطقة سوى لإسرائيل، فإذا قدّم النّظام العربي كما هو حال مصر، خدمة، طالبوه باثنتين، وإذا قدم ثلاثا طالبوه بأربع، وإذا ظنّ أحد بأنّه يأمن شرّهم من خلال تحالفات علنية أو خفية تحت مسميات مثل محاربة الإرهاب تارة، وتارة بما يسمى محاربة محور الشّر الشيعي الإيراني! فهو مخطئ في حساباته، فما هذه التحالفات إلا لتجزئة قوى المنطقة المعارضة للهيمنة الصهيونية الأميركية على المنطقة، لتسهيل مواصلة احتلالها واستغلالها.
أميركا لا تعامل الأنظمة العربية كحلفاء كما يحاول بعضها أن يخدع شعبه، بل هي تعاملهم كأدوات لتحقيق مشاريع إسرائيل وأميركا في المنطقة، فالمصلحة المُشتركة الحقيقية هي بين أميركا وإسرائيل، التي تعتبر رأس الجسر لمصالح أميركا والغرب في المنطقة العربية، وهذا أساس دعمها وإقامتها أصلا.
ترامب يحلم في تحويل قطاع غزّة إلى منطقة سياحية باستثمارات أميركية وإسرائيلية، ولو على حساب ترحيل أهالي القطاع، فهو يعتبر نفسه من الجنس الأبيض الذي يحقُّ له أن يفعل ما يشاء، ضد الشّعوب الملوّنة لأجل أطماعه وجشعه.
ترامب يريد ضرب عصفورين بحجر، إنهاء المشكلة الفلسطينية من المشهد الدولي من خلال ترحيل أعداد كبيرة من الفلسطينيين من بين النهر والبحر، واستثمار قطاع غزّة بوصفه منطقة جميلة للاستثمارات، متجاهلا البشر الذين يعيشون فيه.
أثبتت دعوة ترامب أنّ محاولات سُلطة رام الله استرضاء إسرائيل وأميركا على حساب وحدة الشّعب الفلسطيني ومناعتة من خلال قمع مظاهر المقاومة، لا تعطي سوى نتائج سلبية بالضرورة، وتزيد من تغوّل الاحتلال، بدلا من مواجهة المخططات الإجرامية موحّدين.
يعيش في وهمٍ من يظنُّ أنّ أميركا وإسرائيل يمكن أن تعطيا سُلطة رام الله، الحق في إدارة قطاع غزّة، لأنّ هذا يعني وحدة إدارية للضّفة الغربية وقطاع غزّة، ويعني نواة واسعة نسبيًا للدّولة الفلسطينية، وهذا يتعارض مع هدف إسرائيل والحليفة أميركا، فالمطلوب من سلطة رام الله هو فقط خدمة الاحتلال، وهي ليست شريكة، بل هي عامل مساعد لتثبيت الاحتلال ودفع الثّمن بدلا منه في مواجهة شعبها، وإلا فسوف يجري القضاء عليها تحت بند “دعم الإرهاب”.
مشاريع الاستيطان والضمّ تتناقض مع بقاء السّلطة الفلسطينية، مهما قدّمت السُّلطة من خدمات عبر التنسيق الأمني وغيره، فهذا لن يعود عليها سوى بمزيد من التورّط في دماء أبناء شعبها وبأضرار فادحة بين أبناء الشّعب الواحد وفقدان المصداقية أمام الشعوب العربية والشعوب الصديقة المؤيّدة للحق الفلسطيني.
خير ردٍّ على تصريحات ترامب هو الرفض العربي القاطع لها، والعمل على إفشالها ضمن أوسع وحدة فلسطينية وعربية وأمميّة.
المصدر: عرب 48