ماذا تعنيان وكيف سينعكس “القرار التاريخيّ” فعليا؟
جبارين: هذا القرار هامّ جدا، وبالإمكان أن نقول إنه من أهم القرارات التي اتُّخذت في المجال القانونيّ منذ بدء الاحتلال، والفرق بين هذا القرار والقرار الذي يتطرّق لمسألة الجدار أو القرار بشأن عدم قانونية الاحتلال؛ أنّ هذا القرار يمكن تطبيقه.
من مظاهرة ضدّ نتنياهو وللمطالبة باتفاق تبادل أسرى بتل أبيب (Getty Images)
على خلفية مسؤوليتهما عن جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها الجيش الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة، أصدرت المحكمة الجنائيّة الدوليّة، الخميس، مذكّرتَي اعتقال ضدّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه السابق، يوآف غالانت.
وفي قرارها، أكّدت المحكمة وجود “أسباب منطقية للاعتقاد” بأنّ نتنياهو وغالانت، قد أشرفا على جرائم ضد المدنيين في الفترة ما بين 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 و20 أيار/ مايو، الموعد الذي قدّم فيه المدعي العام كريم خان في أيار/ مايو الماضي، طلب إصدار مذكرات الاعتقال ضدّهما.
ولتوضيح تفاصيل القرار القضائيّ وتبعاته، أجرى “عرب 48” الحوار الآتي مع مدير مركز “عدالة” الحقوقيّ، د. حسن جبارين؛
“عرب 48”: ماذا تعني مذكرتا الاعتقال اللتين صدرتا ضدّ نتنياهو وغالانت؟
جبارين: هذا القرار هامّ جدا، وبالإمكان أن نقول إنه من أهم القرارات التي اتُّخذت في المجال القانونيّ، منذ بدء الاحتلال، والفرق بين هذا القرار والقرار الذي يتطرّق لمسألة الجدار أو القرار بشأن عدم قانونية الاحتلال؛ أنّ هذا القرار يمكن تطبيقه، خلافا لقرار عدم قانونية الاحتلال، الذي يصعب تطبيقهما، وإنما تم إصدارهما ’كتسجيل موقف، أو توصية قانونية’.
أما الآن فنحن في المجال الجنائيّ، وأساس هذا المجال العامل التنفيذيّ والتطبيقيّ، لذلك هناك أهمية كبيرة جدا، وبإمكاننا أن نقول إنه قرار تاريخيّ.
“عرب 48”: ما مدى جديّة القرار؟
جبارين: هذا قرار جدي ّلأنه يفرض على 124 دولة من الدول التي وقّعت على معاهدة روما أن تطبّق جميع قرارات المحكمة، وبخاصة في مسألة الاعتقال، لذلك فإنّ كّل هذه الدول الآن أمام سؤال مهم؛ وهو هل ستعتقل نتنياهو أو غالانت في حال سنحت لها الفرصة، وإذا ما وصلا إليها؟
هذا سؤال جديد، ولم يكن مطروحا، ويخصّ عامل التنفيذ والتطبيق، ويبدو لنا أن غالبيّة الدول ستعلن أنها تحترم هذا القرار، وستقوم بتنفيذه إذا سنحت لها الفرصة، إلا بعض الدول، وبالطبع الولايات المتّحدة غير الموقِّعة على اتفاقيّة روما.
حريّة الحركة لدى نتنياهو وغالانت لم تعُد مثل الأمس، فبالأمس كانت لهما خيارات عديدة في مسألة مغادرة إسرائيل إلى دول مختلفة، إلا أن هذه الوضعية قد تغيّرت اليوم، لذلك، في رأيي، ستقيَّد حريّتهما بمغادرة إسرائيل.
وتعدّ أسئلة؛ إلى أي دولة سيغادران، وأيّ دول لن تطبّق القرار، أسئلة جديدة كذلك؛ لذلك عمليّا أنت وضعتَ رئيس حكومة ووزيرا مركزيّا فيها (قبل أن يُقال غالانت من منصبه) تحت وضعية أنهما متّهمان وملاحقان، وسيتصرّفان وفقا لذلك.
“عرب 48”: هل من الممكن أن نشهد اعتقالهما، أو اعتقال أحدهما فعلا؟
جبارين: هذا الأمر وارد من ناحية قانونيّة، ومن الممكن أن يصلوا لدولة لم تُعلن أنها ستطبّق هذا القرار، ولكن محامين، ومنظّمات حقوق إنسان، ستقدّم طلبات باعتقالهما من أجل تطبيق قرار المحكمة الجناية الدوليّة، لذلك، هنالك وضعية خطر عليهما.
ولكن اعتقال رئيس حكومة ليس بالأمر السهل، ولدى جهاز الموساد الإسرائيليّ أدوات فحص وتقصّي حقيقة الوضع في كلّ دولة يقوم بزيارتها نتنياهو أو غالانت.
وبالفعل، فإنّ تقارير صحافيّة عديدة تشير إلى بدء الموساد بالعمل في هذا الصدد، وهذه التصرّفات هي تصرفات شخص قام بجريمة، وتعبّر عن عقلية مجرِم؛ لذلك نرى هذا التصرّف من الموساد، ومن دولة إسرائيل.
“عرب 48”: هل ممكن أن تتملّص الدول من اعتقالهما في حال زيارتهما لها؟
جبارين: علينا أن ندرك دائما أن تنفيذ وتطبيق القانون الدوليّ هو شأن سياسيّ، وأنه مرتبط ومتأثّر بقرارات سياسيّة للدول، والتطبيق منوط بهذه المواقف، لذلك، هل ستتملّص بعض الدول؟ نعم سيتملّص قسم من الدول من تنفيذ هذا القرار؛ لكن، ستُخلَق حالة جديدة في المجتمع الدوليّ، وحتى أن دولا تُعدّ ’صديقة’ أو ’صديقة حميمة’ لدولة إسرائيل مثل ألمانيا أو إنجلترا، ستكون هناك إمكانيّة لمؤسسات حقوقية، أو محاميي حقوق الإنسان في هذه الدول، أن يطلبوا من دولتهم اعتقال نتنياهو وغالانت إذا ما وصلا إلى بلادهم، وتطبيق قرار الجنائية الدولية، حتّى لو كان الموقفّ السياسيّ للدولة ينصّ على عكس ذلك.
إن مجرّد إمكانيّة تقديم طلب من هذا النوع، سيجعل كلًّا من نتنياهو وغالانت أن يحسب ألف حساب بالسفر لدول من هذا النوع، وفق رأيي؛ وهذه وضعيّة قانونيّة جديدة، لم تشهدها إسرائيل في السابق، وتحوّلت قيادة إسرائيل للمرة الأولى إلى قيادة ملاحَقة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة.
المصدر: عرب 48