ماذا نعرف عن تاريخ الصراع على نهر النيل؟
احتدم الصراع مؤخرًا بين مصر وإثيوبيا على مياه نهر النيل، بسبب الخلافات حول ملء سدّ النهضة وتشغيله من قبل الجانب الإثيوبيّ، وبعد إعلان أديس أبابا عن غلق بوّابات سدّ النهضة، بعد أيّام من انتقادات إثيوبيّة للتعاون المصري العسكريّ مع الصومال، وهو ما يعني وقف تدفّق المياه إلى مصر والسودان تمامًا.
وكانت الحكومة المصريّة، قد أعلنت الأحد الماضي، توجيه خطاب إلى مجلس الأمن الدوليّ، بشأن تطوّرات سدّ النهضة الإثيوبيّ، وأكّدت فيه استعدادها لجميع التدابير للدفاع عن وجودها ومقدّرات شعبها.
وحسب المصادر الرسميّة المصريّة، فإنّ الموارد المائيّة في مصر تنحصر بنهر النيل، بالإضافة إلى الأمطار والسيول وموارد غير تقليديّة، تتمثّل في مياه الصرف الصحّيّ المُعالج والصرف الزراعيّ. ولكن، يعدّ نهر النيل المصدر الرئيسيّ للمياه في مصر، وتبلغ حصّة مصر من مياه النهر أكثر من 55 مليار متر مكعّب تمثّل 79.3% من الموارد المائيّة، والّتي تغطّي 95% من الاحتياجات المائيّة في الوقت الحاليّ، حسب تقرير صادر عام 2022 عن الهيئة المصريّة للاستعلامات.
إضافة إلى ذلك، فإنّ أهمّيّة نهر النيل تكمن في إنتاج الطاقة الكهرومائيّة، بحسب تقرير الطاقة المتجدّدة لعام 2022 الصادر عن هيئة الطاقة الجديدة والمتجدّدة، كما أنّ طاقة الرياح والطاقة الشمسيّة سجّلت انخفاضًا طفيفًا. ولكن، وعلى الرغم من التوقّف الواضح في ربط مشروعات جديدة على الشبكة القوميّة للكهرباء، فقد نما إنتاج الطاقة المتجدّدة – كمّيّة الكهرباء المولّدة من مصادر الطاقة المتجدّدة في البلاد – بنسبة 7% تقريبًا.
لا شكّ أنّ ملء سدّ النهضة الإثيوبيّ هو أمر مصيريّ بالنسبة للدولة المصريّة، إذ تستهلك مصر 159 مليار كيلووات من الطاقة الكهرومائيّة المنتجة من نهر النيل، ومقارنة بالدول الّتي تشترك مع مصر في النهر، فإنّ إثيوبيا واحدة من دول المنبع، فيما يعتبر السودان دولة ممرّ للنهرّ، وحسب الأرقام المعلنة، تستهلك مصر كمّيّة طاقة أكثر بـ 15 مرّة من إثيوبيا على سبيل المثال.
تختلف الأولويّات بالنسبة للأطراف الأخرى مثل أثيوبيا والسودان، من ناحية أهمّيّة النهر، وخطورة حدوث فيضانات وكوارث طبيعيّة، والتي لا تقلّ عن جارتيها مصر. وتعتمد إثيوبيا على أقلّ من 1% من الوقود الأحفوريّ لإنتاج الكهرباء، كما تعتمد على مصادر أخرى متنوّعة من الطاقة الخضراء لإنتاج احتياجاتها. أمّا جارتها السودان، فتعتمد على 38% من الوقود الأحفوريّ لإنتاج الطاقة الكهربائيّة في البلاد.
الصراع على مورد هامّ مثل نهر النيل ليس وليد السنوات الماضية، إذ تحكم الدول المستفيدة من نهر النيل اتّفاقيّات تعود إلى عام 1929، ولكن، من جهتها، فإنّ السلطات الإثيوبيّة تعتبر أنّ المعاهدات المبرمة مع الجانب المصريّ والسودانيّ لا تأخذان الحاجة المائيّة لإثيوبيا (دولة المنبع) في الحسبان، ومن الجدير بالذكر، أنّ النيل الأزرق، ونهر عطبرة بدرجة أقلّ، ينبعان من إثيوبيا، ويرفدان النهر الأساسيّ بما لا يقلّ عن 80% من المياه.
صراع طويل الأمد
بدأت إثيوبيا ببناء مشروع سدّ النهضة في نيسان عام 2011، ضاربة بعرض الحائط جميع الاتّفاقيّات الّتي بدأت منذ عام 1929. أبرمت اتّفاقيّة 1929 بين بريطانيا بصفتها الاستعماريّة والسلطات المصريّة آنذاك، وفي العام 1959، بعد استقلال السودان عن الحكم البريطانيّ المصريّ، وقّعت مع مصر اتّفاقيّة حول نهر النيل، واعتمدت الاتّفاقيّة الأخيرة على اتّفاقيّة 1929، وأضافت بنودًا تحمي حقوق الدولتين في المياه، ومن تلك البنود زيادة حصّة مصر السنويّة من المياه إلى 55.5 مليار متر مكعّب، وحصّة السودان إلى 18.5 مليار متر مكعّب.
في كلتا الاتّفاقيّتين الموقّعتين عام 1929 وعام 1959، لم يتمّ التفاوض مع الطرف الإثيوبيّ، وفي ذلك الوقت، كانت العديد من دول حوض النيل خاضعة للاستعمار البريطانيّ، ومن جانبها، فقد زعمت بريطانيا أنّها تفاوضت بشأن الاتّفاقيّة مع مصر بالنيابة عن إثيوبيا وباقي دول حوض النيل.
لم تستحسن مصر القرار الإثيوبيّ ببناء سدّ النهضة، إذ تعلم تمامًا أنّ النهر الأزرق الّذي سيبنى السدّ على ضفّتيه، يشكّل ما نسبته 80% من مجموع المياه، ومن جانبه عبّر السودان عن قلقه إزاء بدء إثيوبيا ببناء مشروع سدّ النهضة دون استشارتها، وهو وما زاد الطين بلّة، وما زاد من الشكوك المصريّة مماطلة أديس أبابا بالموافقة على إجراء مسح لتقييم الأثر البيئيّ والاجتماعيّ للسدّ، وهو واحد من الشروط التي يفرضها القانون الدوليّ عند تنفيذ مثل تلك المشاريع.
بالنسبة للسلطات في أديس أبابا، فإنّ القانون الدوليّ والمعاهدة البريطانيّة – المصريّة لا تصبّ في صالحهم. الأمر بالنسبة إليهم كان ببساطة أنّ السدّ والنهر يتعلّقان بالسيادة، وكرّر الإثيوبيّون ذلك في مناسبات عدّة.
وعلى الرغم من أنّ لدى مصر حقّ الفيتو للاعتراض على أيّ مشروع من هذا النوع، بموجب اتّفاقيّة 1929، وبالرغم أيضًا من الاعتراض الصريح على المشروع، إلّا أنّ التصريحات المصريّة خفّت حدّتها عام 2012، بعد سنة من بدء إنشاء المشروع، وأبدت السلطات المصريّة بعض المرونة، وانتهى الأمر في ذلك العام بإبرام اتّفاقيّة بين الأطراف الثلاثة، مصر وإثيوبيا والسودان، وتوقيع وثيقة إعلان مبادئ في الخرطوم.
حسب الوثيقة، فقد تعيّن على إثيوبيا إجراء تقييم الأثر البيئيّ والاجتماعيّ، بناء على توصيات لجنة الخبراء الدوليّة، واتّسم الجوّ العامّ في ذلك الحين بالإيجابيّ، كما اعتبر الكثير من المراقبين أنّ الاتّفاق على إعلان المبادئ يمهّد الطريق نحو اتّفاقيّات أخرى تنظّم العمل، وتتناول تفاصيل أكثر، وتضع قواعد وشروطًا بشأن آليّة ملء خزّان السدّ وطريقة تشغيله بين الدول الثلاث، ولكن، لم تصب التوقّعات، إذ تراجعت إثيوبيا ورفضت إجراء تقييم الأثر البيئيّ لاحقًا، وعادت إلى موقفها الأصليّ الذي لطالما كرّرته، وهو أنّ “نهر النيل الأزرق وسدّ النهضة أمر سياديّ!”.
بعد أن رضخت مصر للأمر الواقع، وقبلت بحتميّة تشغيل السدّ، تحوّل التركيز في هذه القضيّة إلى أهميّة إجراء المسح البيئيّ، والمدّة الزمنيّة لتشغيل السدّ، ومن تلك المخاوف الرئيسيّة التي عبّرت عنها السلطات المصريّة، هو أنّ ملء الخزّان بسرعة كبيرة، سيعرّض أمن مصر المائيّ للخطر.
من جهتها لم تتجاوب السلطات في أديس أبابا إلى المطالبات المصريّة، إذ أصرّت إثيوبيا على الشروع والاستمرار في خطّتها، وملء الخزّان في مدّة زمنيّة أقصاها 6 سنوات من أجل زيادة قدرتها على توليد الطاقة الكهربائيّة لاستخدامها وتصديرها، وتعدّ تلك الخطوة الأوّليّة القصوى للسلطات في أديس أبابا، خاصّة أنّ أكثر من نصف إثيوبيا لا تحصل على الكهرباء، وعادت مصر للتأكيد على أنّها ستواجه خطر الندرة المائيّة بحلول عام 2025، خصوصًا خلال فترات الجفاف الطويلة، حين يتراجع منسوب المياه في النهر الأزرق؛ بسبب انخفاض معدّل هطول الأمطار .
“اشتعال فتيل الأزمة”
اشتعل فتيل الأزمة مجدّدًا عام 2020، بعد أن شدّدت مصر على موقفها فيما يخصّ أمنها المائيّ، ومع استمرار إثيوبيا بالإصرار على موقفها من إجراء دراسات للأثر البيئيّ، أعلن وزير الخارجيّة المصريّ سامح شكري أنّ مصر “تبحث عن خيارات أخرى لحلّ الخلاف”، وذلك بسبب عناد إثيوبيا الذي منع التوصّل إلى حلّ عن طريق التفاوض.
بالرغم من عدم التوصّل إلى أيّ اتّفاق يخصّ المشروع بين الأطراف المتنازعة، وبالرغم من التصريح المصريّ المثير للجدل، فإنّ العمل على مشروع سدّ النهضة استمرّ على قدم وساق، وبدأت إثيوبيا بالفعل ملء خزّان السدّ، وقد يشغّل السدّ قبل نهاية 2022، وفي تشرين الثاني/ أكتوبر من نفس العام، جاء تحذير الرئيس الأميركيّ في حينه، دونالد ترامب، في مكالمة هاتفيّة مع رئيس الوزراء السودانيّ عبداللّه حمدوك، بأنّ “مصر قد تقوم بتفجير سدّ النهضة الإثيوبيّ”.
تكهّنات ترامب، بالإضافة إلى التصريح المصريّ، أدّى إلى قلق الجانب السودانيّ؛ فبالنظر إلى احتمالات أيّ ضربة أو مواجهة عسكريّة من الجانب المصريّ، فإنّ الخاسر الأكبر هو السودان غير البعيد عن موقع السدّ، كما أنّ الكثير من المناطق السودانيّة سيلحقها الضرر الأكبر، وبصرف النظر عن أنّ الضربة ستدمّر السدّ بشكل كلّيّ أو جزئيّ، فإنّ المناطق السودانيّة ستتضرّر بشكل أكبر من غيرها بسبب اتّجاه تدفّق المياه.
يقع السدّ في إقليم بني شنقول جومز، وهو إقليم يبعد 15 كلم فقط عن الحدود السودانيّة، ويتّفق الخبراء على حدوث فيضانات بإمكانها أن تسبّب أضرار كارثيّة للبشر والثروة الحيوانيّة والزراعيّة في المناطق القريبة، كما يرى بعض المحلّلين أنّ ترامب اختار الاتّصال برئيس الوزراء السودانيّ لإدراكه الخطر المحيط بالسودان في حال خرجت الأزمة عن السيطرة، والّذي يشكّل دافعًا كبيرًا للسودان للتدخّل لحلّ الأزمة بشكل سلميّ.
عام 2014، بدأت جولات المفاوضات العشر الرسميّة، والتي تخلّلتها اجتماعات في أديس أبابا والقاهرة والخرطوم، ولم تتغيّر مواقف كثيرة فيما يخصّ المشروع خلال الجولات. في أيّار/ مايو 2014، التقى الرئيس عبد الفتّاح السيسي مع رئيس الوزراء الإثيوبيّ، هايلي مريم ديسالين، واتّفق الرئيسان على مجموعة من النقاط، منها؛ “تشكيل لجنة عليا تحت إشرافهما المباشر لتناول كلّ جوانب العلاقات الثنائيّة والإقليميّة في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنيّة، كما أكّد الطرفان محوريّة نهر النيل كمورد أساسيّ لحياة الشعب المصريّ ووجوده، وكذلك إدراكهما لاحتياجات الشعب الإثيوبيّ التنمويّة”، كما أكّدا “احترام مبادئ الحوار والتعاون كأساس لتحقيق المكاسب المشتركة، وتجنّب الإضرار ببعضهم البعض؛”إلّا أنّ إثيوبيا لم تغيّر موقفها.
استمرّت هذه المفاوضات حتّى عام 2018 في الخرطوم، حيث اتّفقت فيها الأطراف المختلفة على “مجموعة العمل البحثيّة العلميّة المستقلّة، الّتي اقترح تكوينها خلال الاجتماع في الخرطوم يوم 6 نيسان/ أبريل 2018، لمناقشة خيارات وإستراتيجيّات ملء بحيرة سدّ النهضة، والّتي تضمّ خبراء وأكاديميّين من مصر والسودان وإثيوبيا، كما استعرضت مصر والسودان ملاحظاتهما حول مقترح قدّمته إثيوبيا في اجتماع القاهرة”.
بعد اتّصال الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، نجحت واشنطن باستضافة الأطراف الثلاثة، وبدا أنّ هناك انفراجة في النزاع. المحادثات الّتي استضافتها واشنطن تحت رعاية الرئيس الأميركيّ والبنك الدوليّ جاءت بـ”اقتراح اتّفاق مرضٍ للأطراف جميعها”، ولكن، لم يمض وقت طويل حتّى تراجعت إثيوبيا عن الاتّفاق بحجّة أنّ لديها مخاوف بأنّ أحكام الاتّفاق “ستنتهك سيادتها”، وعادت الحكومة الإثيوبيّة إلى عزمها البدء في ملء الخزّان في تمّوز/ يوليو 2022، وهو الأمر الذي قابلته مصر بالإدانة، وطالبت بدورها مجلس الأمن الدوليّ بإدانة إثيوبيا.
وبعد فشل محادثات واشنطن، تدخّل الاتّحاد الأفريقيّ وتمكّن من إقناع الطرفين باستئناف المفاوضات تحت رعايته هذه المرّة، ولكنّ العلاقات الإثيوبيّة المصريّة غير المتينة، لم تدفع المفاوضات إلى أيّ نتيجة، وكانت آخر المحاولات في كانون أوّل/ نوفمبر الماضي، وانتهت بانتهاكها ككلّ المرّات السابقة.
توسّع رقعة الخلاف وانضمام دول الجوار
لا شكّ أنّ الأمر ذا أبعاد سياديّة لجميع الأطراف، إذ أصبح الأمن المائيّ وأمن الطاقة الكهربائيّة على المحكّ بالنسبة للجميع. الأزمة ذات الأبعاد السياديّة، الّتي بدأت في العقد الماضي بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى، والّتي وصلت إلى بناء السدّ والبدء بالملء من الطرف الإثيوبيّ، أثارت حفيظة الجانب المصريّ، الّذي عبّر عن توقيت القرار بـ”ظروف دقيقة عاشها الشعب المصريّ اتّسمت بحالة عدم الاتّزان عقب ثورة 25 يناير 2011″.
وكما هو الحال في أيّ نزاع سياديّ، فإنّه من الصعب أن يبقى بين الأطراف المتنازعة، دون تدخّل دول الجوار، وفي حالات أخرى، يشهد الأمر تدخّل دول ذات مصالح جيوسياسيّة لا تجاور أيّ أطراف النزاع.
لا تخلو الدول المجاورة لإثيوبيا من النزاعات؛ فالدولة الّتي تحتضن الحدود الإثيوبيّة من الجهة الجنوب شرقيّة والشرقيّة كانت ضحيّة نزاعات قديمة، فقبل أكثر من 30 عامًا انفصل إقليم الصومال عن جمهوريّة الصومال، ولكنّ الانفصال لم يتمّ الاعتراف به من الاتّحاد الإفريقيّ أو الأمم المتّحدة، وحتّى يومنا هذا، تزال الصومال تصرّ على أنّ هذا الإقليم يقع ضمن أراضيها.
الأربعاء الماضي أرسلت مصر معدّات ووفودًا عسكريّة مصريّة إلى العاصمة مقديشو، بحسب ما أعلن السفير الصوماليّ في القاهرة علي عبدي أوراي، وقال أوراي في بيان إنّه “يثمّن بدء وصول المعدّات والوفود العسكريّة المصريّة إلى العاصمة مقديشو”، وأضاف أنّ تلك الخطوة تعدّ “تمهيدًا لمشاركة مصر في قوّات حفظ السلام، التابعة للاتّحاد الأفريقي في الصومال، والّتي من المقرّر أن تحلّ محلّ بعثة الاتّحاد الأفريقيّ الانتقاليّة الحاليّة بحلول كانون الثاني/ ديسمبر المقبل.”
تعدّ هذه العمليّة أولى الخطوات العمليّة لتنفيذ مخرجات القمّة المصريّة الصوماليّة الّتي عقدت في القاهرة في آب الماضي وشهدت توقيع اتّفاق دفاعيّ مشترك بين البلدين. وفي ظلّ محاولة إثيوبيا إنشاء قاعدة بحريّة في الأرض المتنازع عليها في الصومال، جاءت موافقة مجلس الوزراء الصوماليّ على اتّفاقيّة الدفاع المشترك مع مصر كـ “أولى الدول الّتي تنشر قوّات لدعم الجيش الصوماليّ، بعد انسحاب قوّات الاتّحاد الإفريقيّ الحاليّة” وزير الخارجيّة الإثيوبيّ عبّر عن الحادثة بالـ “صفعة” في وجه التضحيات الّتي قدّمها الجنود الإثيوبيّون في الصومال.
الردّ الإثيوبيّ جاء بتعيين تيشومي شوندي “سفيرًا لها في “أرض الصومال” الّتي يرأسها موسى بديهي عبده، وقدّم السفير الإثيوبيّ الّذي تمّ تعيينه مؤخّرًا أوراق اعتماده للرئيس عبده في خطّة من شأنها أن تزيد التوتّر بين الدول المتنازعة.
من جهتها، وعقب اجتماع عقد بين الرئيس عبده والسفير الإثيوبيّ الجديد، أصدرت حكومة أرض الصومال المتنازع عليها بيانًا صعّدت فيه ضدّ الخطوة المصريّة بإرسال قوّات وعتاد مصريّ إلى جمهوريّة الصومال. وأضاف بيان الحكومة أنّ أرض الصومال تعترض بشدّة على الانتشار العسكريّ المصريّ في الصومال، وفي نهاية الاجتماع، ناقش الرئيس عبده والسفير شوندي القضايا الأمنيّة وتعزيز العلاقات والتعاون بين البلدين.
بدورها، فإنّ دولة الإمارات العربيّة المتّحدة لم تتخلّ عن إثيوبيا كشريك اقتصاديّ؛ فالعلاقات الإماراتيّة الإثيوبيّة ازدهرت منذ عام 2006، وتضاعف التبادل التجاريّ بين الدولتين أكثر من 7 مرّات منذ ذلك الحين، حسب بيانات رسميّة، وتشكّل إثيوبيا بوّابة أفريقيا بالنسبة إلى أبوظبي، ولم تتخلّ الحكومة في أبوظبي عن شريكتها أديس أبابا في الكثير من المحن التي واجهتها الأخيرة، منها محاولات الانقسام والحرب الأهليّة التي عصفت بإثيوبيا عام 2020، بين جبهة تحرير شعب تيغراي والحكومة الفيدراليّة في أديس أبابا. وتمثّل الدعم الإماراتيّ في جسر جوّيّ وما يقارب 90 رحلة جوّيّة بين الدولتين بين شهر أيلول/ سبتمبر وشهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021. وتشير صور الأقمار الصناعيّة إلى وجود طائرات بدون طيّار في قواعد عسكريّة إثيوبيّة في تلك الفترة.
وحسب خبراء، فإنّ الدعم الإماراتيّ جاء لحماية مصالحها بالدرجة الأولى، فبعد تمدّد النزاع واحتمال وصوله إلى أديس أبابا والانتهاء ياستحواذ ثوّار تيجراي على السلطة، فإنّ التهديد كان يزداد شيئًا فشيئًا تجاه لمصالح والاستثمارات الإماراتيّة، حسب آراء المحلّلين، إذ جاء موضع قدم الإمارات في إثيوبيا بعد انتخابات عام 2018 الّتي انتهت باستلام أبي أحمد مقاليد الحكم، والّذي سرّع التعاون بين البلدين، وفي السنة نفسها، تعهّدت الإمارات بدعم الخزينة الإثيوبيّة بمبلغ 3 مليارات دولار بالإضافة إلى استثمارات ضخمة أخرى.
ولا تنفكّ الإمارات أن تؤكّد في جميع المحافل الدوليّة على شراكتها وعلاقتها الوطيدة مع الحكومة في أديس أبابا؛ ففي شهر تمّوز/ يوليو الماضي، وبتوجيهات من رئيس الدولة محمّد بن زايد، وفي “إطار الجهود الإنسانيّة المستمرّة لدولة الإمارات في دعم الدول الشقيقة والصديقة، أرسلت دولة الإمارات مساعدات إغاثيّة إلى جنوب إثيوبيا عقب الانهيارات الأرضيّة الّتي تسبّبت فيها الأمطار الغزيرة، ما أسفر عن وقوع خسائر في الأرواح وأضرار كبيرة في الممتلكات”.
وينمو التبادل التجاريّ بين البلدين بخطى متسارعة، حيث بلغ هذا التبادل “غير النفطيّ” بين إثيوبيا وثاني أكبر شريك لها ما يقارب مليارًا و 400 مليون دولار، وخلال السنوات الأخيرة، نفّذت الإمارات حزمة من المشاريع بقيمة 2.9 مليار دولار، وتعدّ صناعة الأدوية والتجارة بالتجزئة والطاقة المتجدّدة من أهمّ المشاريع الّتي يعمل عليها البلدان.
قرارات وقرارات سياديّة في المقابل
لا يبدو أنّ هناك انفراجة قريبة في الأزمة المصريّة الإثيوبيّة؛ فمنذ بدء المفاوضات، تتمسّك كلّ دولة بموقفها وسيادتها. من جهة، تتمسّك الحكومة في أديس أبابا بمستقبل الطاقة الكهرومائيّة في بلد يعاني نصف سكّانه من عدم توفّر التيّار الكهربائيّ، ومن جهة أخرى، تتمسّك مصر بأمنها المائيّ، بالإضافة إلى كون نهر النيل مصدرًا للطاقة الكهربائيّة.
ولكن، كما هو الحال في القرارات السياديّة، فقد لا تعير اهتمامًا لمصالح الدول الأخرى، بالإضافة إلى أنّه في الوقت الذي أرسلت فيه مصر قوّات عسكريّة وعتادًا لجمهوريّة الصومال، لمحاولة الضغط على إثيوبيا، جاء الردّ الإثيوبيّ واضحًا، وذلك بعد ساعات فقط من إرسال القوّات المصريّة، إذ أعلنت أديس أبابا عن غلق بوّابات سدّ النهضة، ما يعني وقف تدفّق المياه إلى مصر والسودان تمامًا، واستمرار التخزين الخامس دون التنسيق مع أيّ من القاهرة أو الخرطوم، وهو ما يهدّد أمن مصر المائيّ والزراعيّ والغذائيّ بشكل واضح.
المصدر: عرب 48