ماذا نعرف عن مشروع “وورلد كوين” المثير للجدل؟
تأسّست “وورلد كوين” على يد سام آلتمان، الملياردير الأميركيّ والمدير التنفيذيّ لمنصّة الذكاء الاصطناعيّ OpenAi وعضو مجلس إدارة في شركات طاقة نظيفة في الولايات المتّحدة…
كرة “وورلدكوين” لمسح بصمة العين (Getty)
وصل تطبيق “وورلد كوين” المسؤول عن العملة الرقميّة الّتي تحمل الاسم ذاته في شهر نيسان/أبريل الماضي إلى 10 ملايين مستخدم، بمعدّل 2 مليون يستخدمون التطبيق بشكل يوميّ و 5 ملايين بشكل شهريّ. يأتي ذلك بعد أقلّ من سنة على إطلاق العملة الرقميّة في تمّوز/يوليو العام الفائت. وحسب تياغو سادا، رئيس قسم المنتجات لدى وورلد كوين، فإنّ عدد المستخدمين اليوميّ حاليًّا يساوي عدد المستخدمين في شهر تشرين الثاني/يناير 2024 كاملًا. انخفضت قيمة العملة الرقميّة مؤخّرًا وتوقّفت الآن عند حاجز 1.76 دولارًا أميركيًّا بعد أن وصلت إلى 9.53 دولارًا في آذار/مارس الماضي.
العملة الّتي تأتي مكافأة على الاشتراك في مشروع “وورلد آي دي” الّذي يجمع بيانات المستخدمين عن طريق بصمة العين لعمل هويّة إلكترونيّة. ويقول المشروع أنّه يساعد الشركات على التمييز بين المستخدمين الحقيقيّين والـ “بوت” المزيّف، ولذلك يستخدم المشروع عملته الأصليّة “وورلد كوين”.
المشروع بدأ في 25 دولة، ولكنّه سرعان ما واجه صعوبات في بعض البلدان، ومنع في بلدان أخرى مثل إسبانيا في أيّار/مايو هذه السنة. الآن يمكن العمل بالمشروع في عدّة دول منها كوريا الجنوبيّة والأرجنتين والمكسيك، ومؤخّرًا أطلق المشروع المعتمد على جمع بيانات بصمة العين من المستخدمين في بولندا، وبحسب ما نشرته وورلد كوين، فإنّها تستخدم حاليًّا 1500 جهاز “Orb” في 35 مدينة حول العالم، من بينهم دبي.
الحاجة إلى المشروع
تطوّر الإنترنت كثيرًا منذ التسعينات، ومع ذلك التطوّر برزت تحدّيات كثيرة للمستخدمين، ومن تلك التحدّيات خطر المستخدمين المزيّفين والـ”بوت”، وهو برنامج قائم مدعوم بالذكاء الاصطناعيّ للتعامل مع المستخدم من خلال أنظمة عبر شبكة الإنترنت، وعن طريق البرمجة، يستطيع ذلك البرنامج أن يقوم بالعمل الّذي يقوم به الإنسان بشكل أوتوماتيكيّ. ومن التحدّيات الأخرى قضايا النصب والاحتيال وسرقات أرقام البطاقات المصرفيّة واستخدامها بشكل غير مشروع، بالإضافة إلى الإعلانات الكثيرة والمواقع المشبوهة الّتي تطلب تحويلات الأموال.
تلك التحدّيات دفعت الشركات لإجراءات كثيرة للتأكّد من هويّة المستخدم، منها اختبار CAPTCHA وهو، حسب جوجل، اختبار يتكوّن من جزأين يتميّزان بالبساطة وهما: تسلسل أحرف و/أو أرقام يتمّ إنشاؤها عشوائيًّا، ويظهر في شكل صورة مشوّهة، ومربّع نصّيّ، ولاجتياز الاختبار وإثبات هويّتك البشريّة، ليس عليك سوى كتابة الأحرف الّتي تظهر لك في الصورة داخل مربّع النصّ.
الاختبار الّذي يأتي كنوع من الإجراءات الأمنيّة والمعروف بمصادقة استجابة الاختبار يساعد على حمايتك من المحتوى غير المرغوب فيه وفكّ تشفير كلمات المرور من خلال توجيه المستخدم إلى إكمال اختبار لإثبات أنّه إنسان، وليس جهاز كمبيوتر عند محاولة اختراق حساب محميّ بكلمة مرور. ولكن مع ظهور الذكاء الاصطناعيّ أصبح الأمر معقّدًا أكثر، فاستطاعت نسخة الذكاء الاصطناعيّ CHAT-4 أن تقنع إنسانًا بحلّ CAPTCHA بالنيابة عن الذكاء الاصطناعيّ.
في العام 2023 جاءت شركة “وورلد كوين” لتقدّم حلولًا لتلك المخاطر، إذ قدّمت الشركة الجهاز المعروف بـ Orb أوّلًا في مدن كبيرة مثل نيويورك وبرلين وطوكيو. الجهاز يقوم بمسح للعين ويعمل على تكوين بصمة عين خاصّة بالمستخدم. وحسب خبراء، فالجهاز يمثّل ثورة في عالم البصمات والهوايات الإلكترونيّة تمكّن المواقع من التأكّد من المستخدمين بسهولة ويسر لتكافح عمليّات الاستغلال والسرقات وانتحال الشخصيّة في الفضاء الإلكترونيّ.
المشروع يجمع بين أهمّ الاختراعات الإلكترونيّة الحديثة، الذكاء الاصطناعيّ والعملات الرقميّة، ويقوم بتقديم عملات رقميّة في مقابل تكوين الهويّة الرقميّة للمستخدمين الهويّة الرقميّة بدورها تعتمد على مسح للعين ليشكّل ذلك، وبشكل قطعيّ، الفرق بين المستخدم الأصليّ والمزيّف والبرامج الخبيثة على الإنترنت. هذه التقنيّة لا تختلف كثيرًا عن التقنيّات الّتي تستخدمها شركة “آبل” في خاصّيّة التعرّف على الوجوه.
بالنسبة إلى سام ألتمان، مؤسّس وورلد كوين، فإنّ الشركة تقدّم حلًّا جذريًّا للعالم الافتراضيّ الّذي يستخدمه على الأقلّ 5.4 مليار مستخدم معظمهم يستخدمون الإنترنت للوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعيّ.
وبعد عمليّة المسح للعين وعند استلام “وورلد كوين” البيانات، فإنّها تصدر هويّة إلكترونيّة تسمّى “وورد آي دي” أي الهويّة العالميّة، ولا تعدّ تلك الهويّة بيانات بيومتريّة، بل كمعرّف عن الشخص باستخدام نظام يسمّى zero-knowledge proofs “زيرو نوليدج بروف” وهو نظام تشفير صدر عام 1985 يمكن للطرف الأوّل أن يثبت أنّ معلومة ما صحيحة بدون كشف معلومات أكثر.
إن نجحت “وورلد آي دي”، فإنّ بإمكان المستخدمين الوصول إلى كلّ المواقع الاجتماعيّة الّتي تتطلّب تسجيل مستخدمين، وذلك يشمل مواقع التواصل الاجتماعيّ عن طريق تلك الهويّة، وحسب آلتمان، فإنّ الفرق الوحيد هو أنّ المستخدمين يمكنهم الوصول إلى تلك المواقع بشكل آمن دون الكشف عن البريد الإلكترونيّ للمستخدم أو أيّ بيانات أخرى مثل العمر أو الجنس، وإذا عملت تقنيّة “زيرو نوليدج بروف” بشكل صحيح، فإنّ بإمكان المستخدمين الوصول إلى المواقع، دون أن يتمّ تتبّعهم من الحكومات أو غيرها.
في المراحل الأولى من فتح باب التسجيل، اصطفّ الكثير من المستخدمين عبر العالم كما يشير الفيديو الّذي نشره آلتمان على حسابه عبر منصّة X وقال “في اليوم الثالث من بدء التسجيل، هناك طوابير مجنونة من الناس حول العالم تصطفّ للتسجيل، ويتمّ تسجيل مستخدم كلّ 8 ثوان”.
أشار بعض المحلّلين إلى أنّ المستخدمين سجّلوا من باب الفضول أحيانًا، وفي أحيان أخرى مقابل النقود، إذ عرض الشركة 25 حبّة من العملة الرقميّة الخاصّة، كأداة تسويقيّة، لكلّ الّذين سجّلوا بصماتهم، ولكنّ ذلك العرض لم يعمل في الولايات المتّحدة في ذلك الوقت بسبب السياسات الأميركيّة تجاه العملات الرقميّة.
وقد جمعت الشركة الّتي تقف خلف العملة “تولز فور هيومانيتي” Tools for Humanity مبلغ 115 مليون دولار أميركيّ في الجولة الأولى من جولات التمويل، وقدّرت قيمة الشركة بمبلغ 3 مليارات دولار، ومن الجدير بالذكر أنّ المدير التنفيذيّ والمؤسّس للشركة سام آلتمان كان المدير التنفيذيّ لشركة “إف تي إكس”، واتّهم حينها بالاحتيال بمبلغ 8 مليارات دولار وانهيار صندوق تحوّط العملات الرقميّة “ثريّ أروز كابيتال”.
وورلد كوين “ليست بالسوء الّذي تظنّه، إنّها أسوأ من ذلك”
المشروع لم يسلم من النقد، على الرغم من ميزات الأمان الّتي يقدّمها لحماية المستخدمين، فالبعض اتّهم المشروع بأنّه يقوم بـ “رشوة” المستخدمين بالعملات الرقميّة للتسجيل، بينما رفض البعض تسليم بياناتهم لشركة ربحيّة بدون غايات واضحة، يقول لويس شومان، خبير العملات الرقميّة “الكثير يصف عمليّة مبادلة البيانات البيومتريّة مقابل العملات الرقميّة بالرشوة الهمجيّة”.
تقول “وورلد كوين” إنّ معلومات المستخدمين يتمّ مسحها بعد معالجتها وتسجيل الهويّة الرقميّة وتحويلها إلى كود مشفّر، ولكنّ التاريخ الحديث للشركات المسؤولة عن مواقع التواصل الاجتماعيّ وغيرها مثل “ميتا” وقضايا الخصوصيّة في فيسبوك جعلت من الصعب الوثوق بالشركة الناشئة من بعض المستخدمين. من المشكّكين بالعمليّة ظهر إدوارد سنودن، موظّف المخابرات الأميركيّة السابق المختصّ بالتكنولوجيا الّذي فرّ من الولايات المتّحدة بعد تسريب ملفّات تشير إلى تورّط الحكومة الأميركيّة بالتجسّس. قال سنودن عبر منصّة X: “لا تستخدموا البيانات البيومتريّة لأيّ شيء” ردًّا على تغريدة آلتمان عندما قدّم المشروع لأوّل مرّة، وأضاف سنودن أنّ “الجسم البشريّ ليس أداة لثقب التذاكر”، وأداة ثقب التذاكر تستخدم للتميّز بين التذاكر الّتي استخدمت من الجديدة.
التقرير المنشور على موقع MIT الّذي يقدّم مراجعات بخصوص التكنولوجيا يشير إلى أدلّة على أنّ المشروع استخدم ممارسات مشبوهة ومخادعة لحثّ الناس على التسجيل في إندونيسيا وكينيا وتشيلي. من تلك الممارسات أنّ اتّفاقيّة الخصوصيّة للبلاد المتحدّثة باللغة الإسبانيّة مثل تشيلي كانت بالإنجليزيّة، وتمّ إغراء الناس في السودان بسمّاعات AirPods بدون شرح الغاية من مسح العين،
وردًّا على التقرير، قال أحد المسؤولين عن المشروع في تصريح لمجلّة TIME إنّ “التقرير لا يمثّل العمليّات الحقيقيّة الّتي تجري في المشروع، وتضمن معلومات غير دقيقة وقدّم منظورًا ضيّقًا وشخصيّ للمشروع الّذي لا يزال في بداياته”. وأضاف أنّ ” التقرير ليس تمثيلًا دقيقًا لأهداف المشروع العالميّة”.
في أيّار/مايو 2023 نجح بعض قراصنة الإنترنت بالحصول على الأرقام السرّيّة ومعلومات الدخول لموظّفين في “وورلد كوين” ومسؤولين عن معلومات دقيقة مثل الإنفاق ومداخيل الشركة، بالإضافة إلى معلومات المستخدمين. وأشار تقرير المنشور على “بلوك ووركس” المتخصّصة بالمنشورات المتعلّقة بالعملات الرقميّة أنّ الناس في كمبوديا وكينيا كانوا يبيعون البصمات خاصّتهم مقابل 30 دولارًا أميركيًّا في السوق السوداء.
في المقال نفسه على موقع “بلوك ووركس” يقول كاتب المقال أندرو بايلي أنّ وورلد كوين “ليست بالسوء الّذي تظنّه، إنّها أسوأ من ذلك”. المقال يشدّد على أهمّيّة اتّجاه الشركة إلى دول الجنوب العالميّ لمعرفتهم بأنّ التكلفة القليلة ستجمع عدد أكبر من عمليّات المسح الضوئيّ؛ وبالتالي استغلال تلك الشعوب لصالح الرأسماليّة الغربيّة، ويتساءل الكاتب عن إمكانيّة ضياع تلك الهويّة أو التحكّم بها وأبطالها من جهة الحكومات، فبالتّالي، إذا كانت كلّ التعاملات الإلكترونيّة تعتمد على تلك الهويّة فإنّها ستتوقّف، على عكس النظام الحاليّ الّذي يمكّنك من عمل هويّة جديدة في حال ضياع الهويّة القديمة، فبالتالي المشكلة أنّ لدى الإنسان بصمة عين واحدة حسب الكاتب.
وعند سؤال أليكس بلانيا، الشريك المؤسّس في “وولد كوين” من بلومبيرج عن عمليّات القرصنة وسرقة معلومات الدخول من موظّفي “وورلد كوين” قال: “بالطبع سيكون هناك احتيال، النظام لن يكون مثاليًّا، على الأقلّ في البداية”.
من جهته صرّح سانتياجو سيري، عضو المجلس التنفيذيّ لشركة “بروف أوف هيومانيتي” الّتي تعمل على خلق هويّات إلكترونيّة للناس أنّه “من الأسئلة المهمّة الّتي يجب طحرها عمّا إذا كان ذلك سيفتح الباب أمام استعمار من الذكاء الاصطناعيّ”، وأضاف سيري “لقد رأينا الأوروبي في بلاد العالم الثالث والبلدان النامية، والّتي لا يوجد لديها قوانين صارمة بالنسبة للخصوصيّة والهويّة مثل الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبّيّ”.
المشرّعون حول العالم ما زالوا يراقبون المشروع عن قرب. ومن جهتها أعلنت هيئة حماية البيانات الفرنسيّة السنّة الماضية التحقيق في المشروع بناء على أدوات جمع بيانات “مشكوك فيها”. وفي المملكة المتّحدة أطلق المنظّمون تحذيرات مشابهة، ومن جهتها، طالبت الحكومة في كينيا بتوقّف “وورلد كوين” عمليّات جمع المعلومات في البلاد، وقالت إنّ المشروع يطرح “مخاوف تنظيميّة مشروعة تتطلّب اتّخاذ إجراءات عاجلة”. استمرّ الحظر لمدّة سنة تقريبًا لتنتهي التحقيقات، وتسمح الحكومة الكينيّة للشركة بالعمل مجدّدًا.
تأسّست “وورلد كوين” على يد سام آلتمان، الملياردير الأميركيّ والمدير التنفيذيّ لمنصّة الذكاء الاصطناعيّ OpenAi وعضو مجلس إدارة في شركات طاقة نظيفة في الولايات المتّحدة. بالنسبة للمدير التنفيذيّ، فإنّ تأسيس “وورلد كوين” كان لـ “تشكيل عملة رقميّة مملوكة بشكل جماعيّ، وتوزّع على الجميع بشكل عادل”. المشروع الاقتصاديّ مفتوح للجميع، ولكن عليك أن تقدّم بياناتك في مقابل الاشتراك، ويسعى فريق وورلد كوين إلى منح 80% من إجماليّ العملات إلى المستخدمين، بينما سيحتفظ الفريق بـ 10% وسيمنح الـ 10% المتبقّية إلى المستثمرين.
المصدر: عرب 48