ماذا يتغيّر في إسرائيل وما الخطط الأميركيّة؟
قال المدير العام لـ”المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، د. عزمي بشارة، خلال حوار بشأن الحرب على قطاع غزة، أُجري معه عبر “التلفزيون العربي”، مساء الأحد، إن الحديث الأميركيّ عن دولة فلسطينيّة، لا يشير إلى إنهاء الاحتلال، وإن إسرائيل تريد مواصلة عدوانها، “مهما كانت الضغوط الممارسة عليها”.
وذكر بشارة أن تضحيات الشعب الفلسطينيّ، قد أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد، مشدّدا على أنه “لا مفاوضات بين محتلّ، ورازح تحت الاحتلال، إلا بشرط مسبَق هو إنهاء الاحتلال”؛ كما أكّد أن المنطقة “لن تعرف استقرارا، دون حلّ عادل للقضية الفلسطينية”.
وقال إن “أجواء الهستيريا الحربية تسيطر على إسرائيل، دون أي تفكير في الاحتلال وتبعاته”. كما ذكر أن “السلوك الإسرائيليّ تجاه القدس والمسجد الأقصى، سيكون له تبعات”. وشدّد بشارة على أن “الإجماع الفلسطينيّ لا يمكن أن يتحقّق من دون حماس”.
ولخّص بشارة النقاش الجاري تداوله عن مشروع أميركي للاعتراف بدولة فلسطينية مبهمة وغير محددة، بأنه كلام لا معنى له، لأن هدف واشنطن هو استئنتف التطبيع العربي-الإسرائيلي الذي أوقفته عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لا تأسيس دولة فلسطينية.
ولاحظ في هذا السياق كيف أنه استُبدل أميركيا مفهوم إنشاء الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، بالاعتراف بـ”دولة” لا يُشار إلى حدودها ولا شكلها من دون الإحالة إلى الاحتلال حتى.
وعن توقعاته الخاصة باجتياح رفح، أعرب بشارة عن قناعته بأن إسرائيل لن توقف عدوانها على غزة إلى أن تقول “إننا وضعنا أرجلنا في كل بقعة” من القطاع، وأبدى تشاؤمه من أن حكام تل أبيب باتوا يطرحون عودة الغزيين إلى وسط وجنوب غزة “وهذا هدفه تفريغ رفح” بحسب بشارة.
وفي ما يتعلّق بالوضع الفلسطيني الداخلي، شدّد بشارة على ضرورة أن تميّز حركة “فتح” نفسها عن السلطة الفلسطينية وأن تضع يدها بيد المقاومة لإقامة قيادة فلسطينية موحدة تواجه ما يُخطط للفلسطينيين في إطار مشاريع “اليوم التالي” مثلما يطرحها مسؤولو إسرائيل وأميركا.
استبعاد وجود خطّة أميركيّة مكتوبة بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية
واستبعد بشارة أن تكون هناك خطة أميركية مكتوبة سبق لصحيفة “واشنطن بوسط” أن تحدثت عنها الأسبوع الماضي في إطار الاعتراف بدولة فلسطينية بعد توقف الحرب على غزة مقابل استئناف التطبيع العربي ــ الإسرائيلي الذي أوقفته حرب السابع من أكتوبر.
وردا على سؤال عن هذه “الخطة”، اعتبر بشارة أن هناك أفكارا أميركية يطرحها أركان مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض، لا خطة مكتوبة، همّها التطبيع الإسرائيلي ــ العربي في المنطقة، “وهم يعرفون أن هذا صار مستحيلا من دون العودة إلى حل القضية الفلسطينية لذلك يتحدثون عن الدولة الفلسطينية لفظيا بشكل هلامي غير محدد من دون زوال الاحتلال” على حد تعبيره.
وذكر بشارة أن أحاديث الاعتراف بـ”دولة فلسطينية”، لا معنى له. وتوقف عند حقيقة أنه فجأة “استُبدل مفهوم إنشاء دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران بما يسمى الاعتراف بدولة فلسطينية”، ورأى أن هذا “يجب أن يُفضح عربيا بدل التواطؤ معه ليكون الكلام عن إقامة دولة فلسطينية بدل الاعتراف بدولة غير موجودة”.
وعن رفض الحكومة الإسرائيلية حتى هذا السقف، أجاب بشارة أن منطق الإسرائيليين يقوم على ترك الفلسطينيين لهم وحدهم لذلك قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أخيرا، إن كل شيء يُتفق عليه بمفاوضات إسرائيلية فلسطينية “من دون شروط مسبقة”، أي أن الأقوى يفرض ما يريده طالما أن الشروط المسبقة الضرورية لأي مفاوضات هي زوال الاحتلال، وفق تعبير مدير “المركز العربي”.
وأشار بشارة إلى لو كان الحديث عن إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، مثلما كان يحصل منذ خريطة طريق جورج بوش الإبن (2002) والرؤساء الأميركيون الذين خلفوه، لكان ممكنا أن يكون هذا الأمر تطورا، لأن السلطة عندها تتخذ مكانة دولة في الأمم المتحدة وهذا قد يعطيها أدوات أفضل في المؤسسات الدولية بصفتها دولة واقعة تحت الاحتلال، “لكن ما يُطرح لا علاقة له بهذا” وفق كلام بشارة.
لا تقدُّم بشأن صفقة الرهائن
وعن مجرى العدوان على غزة والمفاوضات على اتفاق للإفراج عن الرهائن ووقف إطلاق النار، كشف بشارة أن المفاوضات لا تتقدم لأن الاحتلال يرفض وقف إطلاق النار والانسحاب من غزة حتى أن إسرائيل “تنوي إبقاء تواجد لها في غزة على غرار الضفة بعد الحرب”.
وذكر بشارة أن الإسرائيليين أصبحوا “أكثر تساهلا في موضوع المساعدات، وباتوا مستعدين أن تصل 500 شاحنة في اليوم إلى القطاع وأن تصل إلى الشمال”؛ لكنه نبّه من أن “الجديد المثير للشكوك أنهم طرحوا فجأة احتمال عودة الفلسطينيين إلى وسط غزة وجنوبه، وهذا هدفه تفريغ رفح” تمهيدا لاجتياحه، “ولن يتوقفوا إلى أن يقولوا إننا وضعنا أرجلنا في كل بقعة من غزة”.
وتوقع أن يدخلوا إلى رفح بالفعل، “حتى رئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس) يشارك في الضغط على المقاومة عندما يطلب من حماس أن تتنازل”.
وعن سؤال حول أسباب تشدد نتنياهو إلى هذه الدرجة، أجاب بشارة بأن رئيس حكومة الاحتلال يريد تحقيق إنجاز عيني بألا تكون حماس قادرة على الحفاظ على جهازها العسكري، وألا تكون قادرة على إدارة غزة مستقبلا.
وقال إنه كلما طالت الحرب، يتحسن الوضع الشعبي والانتخابي لنتنياهو، لذلك هو يعرض نفسه حاليا على أنه الأكثر تشددا، وأنه القادر على تحدي أميركا وعلى رفض الدولة الفلسطينية.
وفي السياق، وصف بشارة تصريحات المسؤولين الدوليين الذين يحذرون إسرائيل من خرق القوانين الدولية، بأنه كذب وغش، مفاده أنهم يدعمون إسرائيل بكل الأحوال.
ضغط داخليّ على نتنياهو؟ لا علاقة لذلك بتأييد الحرب
وفي ما يتعلق بالضغط الداخلي الموجود حاليا في إسرائيل على نتنياهو والدعوات لاستقالته، ذكّر بشارة أن أيا من هذه الضغوط لا تتعلق بالتأييد الإسرائيلي لمواصلة الحرب، ذلك أن الاستطلاعات لا تزال تفيد بأن الغالبية الساحقة تؤيد الاستمرار في الحرب ومنع حماس من إدارة غزة وترغب بمنع وصول الإغاثة الانسانية إلى غزة.
واختصر الأحوال داخل إسرائيل بالقول إن أجواء الحرب تتغلب على أي شيء آخر، وما يحصل في إسرائيل من قبل النقابات ومعارضي نتنياهو، لا يشكل ضغطا كافيا على رئيس الحكومة، لأنه قادر على إبقاء كابينيت الحرب.
وبتقدير مدير “المركز العربي”، لا يزال الإسرائيليون “تحت وقع الصدمة والرغبة في الانتقام لاستعادة التوازن وهيبة الردع، ولا يزالون يتصرفون كقبيلة أفرادها مضللون وتتملكها الهستيريا الحربية”.
وتناول أحد الأسئلة موافقة نتنياهو على اقتراح وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، بتقييد دخول حتى فلسطينيي مناطق 48 إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان إلى جانب بقية الفلسطينيين في الضفة والقدس، فأعرب بشارة عن ثقته بأن الناس سترفض هذه القرارات وستكون لها تبعات.
ونوّه إلى أن الإسرائيليين “لا يستطيعون أن يعاقبوا ملايين البشر في حال تحدى كل الفلسطينيين الاحتلال بسلمية وعقلانية”.
هل أضاع العرب فرصا للسلام؟
وتناول جزء من الحوار مع بشارة مقولة يتم تردادها ومفادها أن العرب أضاعوا فرصا عديدة لإبرام سلام مع إسرائيل، فسخر من تلك المقولة ليُظهر بالأمثلة التاريخية أن ما أضاعه العرب هو فرصة محاربة إسرائيل في عام 1967، وليس إبرام سلام معها.
وعاد بالذاكرة إلى إعلان قرار التقسيم (1947) وكيف أنه فور صدور القرار بدأ الجيش الإسرائيلي الحرب على الفلسطينيين لتهجيرهم قبل دخول الجيوش العربية إلى فلسطين. وأحال إلى أنه لاحقا، لم يرفض العرب أي مبادرة سلام؛ من مبادرة روجرز إلى بقية المبادرات الأميركية، وصولا إلى خريطة طريق جورج بوش الابن (التي وضع شارون 14 اعتراضا عليها وقبلها ياسر عرفات بالكامل فقُتل من قَبلها وبقي من رفضها حاكما) ومبادرة السلام العربية، بينما رفضتها إسرائيل جميعها من دون استثناء.
وفي السياق ذاته، ذكّر بشارة بأن إسرائيل لم تطرح يوما مبادرة سلام واحدة، بينما العرب قدموا مبادرة (قمة بيروت 2002)، حتى أنهم تنازلوا عن كل شيء وطبعوا مجانا. ووصف موقف الدول العربية حاليا بأنه موقف انتظار “لأن خيارها السلام من دون القضية الفلسطينية”.
وردًّا على سؤال حول تصريح وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في منتدى ميونيخ، جوابا على استفسار من وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، عن أن حماس خارج الإجماع الفلسطيني، أجاب بشارة بأن الإجماع الفلسطيني مستحيل من دون حماس، وسخر من كون الإجماع هو “النظام الحاكم برأي أبناء ثقافة التسلط العربي”. ووصف كلام شكري بأنه خاطئ ومسيء.
وفي إطار متصل، ذكر بشارة، ردا على سؤال آخر، أن الانتقال من تسمية الصراع العربي الإسرائيل إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو نتيجة رغبة أنظمة عربية بالتخلص من صداع بالنسبة إليها، لافتا إلى أن هناك قضية وطنية للتحرر الوطني ولا وجود لصراع بين طرفين كأنهما يتنازعان على الأرض ولهما الحق نفسه عليها.
وأوضح أن هذا ما أثبتت غزة أنه لا يصلح، فالعالم كله اليوم منشغل بفلسطين، معربا عن ارتياحه إلى أن هناك مثابرة بدأت تتمأسس في حركة التضامن العالمية مع فلسطين، وهذا برأيه يذكر بعض الشيء بالحركة العالمية ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
واقترح بشارة أن تُرفع في التظاهرات العالمية، إلى جانب علم فلسطين، أعلام الدول التي يحمل المتظاهرون جنسياتها.
الرهان على تمييز فتح نفسها عن السلطة
وردا على سؤال حول أداء الشعب الفلسطيني وقواه السياسية، أشار بشارة إلى أن ما يقدمه الشعب الفلسطيني “عظيم بقدرة هائلة على الصبر وتحمل الشدائد وتحمل نتائج أفعال لم يُستشر فيها، المسؤول عنها هو الاحتلال”. أما القوى السياسية، فأداؤها لا يزال محدودا بحسب وصف بشارة.
وعسكريًّا، قوى المقاومة أداؤها “أثار اندهاش العالم كله وإسرائيل متفاجئة جدا منه” برأي بشارة، لكن “يبقى الأهم إقامة مرجعية وطنية موحدة للشعب الفلسطيني”.
واستفاض بشارة في التذكير بكيفية قضاء السلطة الفلسطينية على منظمة التحرير الفلسطينية، الإطار الجامع سابقا للشعب الفلسطيني في فلسطين وفي الشتات، وجزم بأن إقامة قيادة موحدة اليوم في ظل حرب الإبادة أصبح حاجة وجودية، ولفت إلى أن التمايز بين السلطة وحركة فتح ضروري، “وضروري أن يتعمق، وإلا فالمطروح تكرار تجربة أوسلو، واستنساخ تجربة سلطة رام الله في غزة”.
وأعرب عن أسفه لأن هناك تنافسا في بعض دوائر السلطة الفلسطينية للعودة إلى إدارة قطاع غزة، وحذّر من أنه تنشأ عن ذلك شبكة مصالح تجعل الناس تقبل بالواقع الجديد، وتصبح القضية الوطنية ثانوية.
وفي مشروع توحيد القيادة الفلسطينية في إطار جامع قد يكون منظمة التحرير أو غيرها، شدد بشارة على أنه لا مشكلة في بقاء السلطة، لكن لإدارة الشؤون اليومية للناس فقط بلا دورٍ سياسي هي عاجزة عن تأديته، بسبب ربطها بموجب أوسلو بمهمة حماية أمن إسرائيل.
واختصر جوابه على هذا الموضوع بالتساؤل: “هل تضع فتح يدها بيد المقاومة لإعادة توحيد القيادة الفلسطينية بعيدا عن السلطة؟”.
وكان الحوار الأخير الذي أُجري مع د. بشارة، قد أفرد جزءا واسعا لموضوع إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بوصفه خطوة ضرورية لإفشال “اليوم التالي” بمفهومه الإسرائيلي، أو “يوم نتنياهو” التالي، لأن نجاح “اليوم التالي”لن يؤدي إلا إلى بدء ثلاثين عاما جديدا شبيهة بالعقود الثلاثة لما بعد أوسلو.
وأشار بشارة حينها إلى أنه في حال نجح “اليوم التالي” ذاك، أي إن تم إحضار السلطة الفلسطينية الحالية لتحكم غزة بمعزل عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي، “فهذا يعني حربا أهلية جديدة ومقاومة جديدة” على حد تعبير بشارة الذي نبّه في الوقت نفسه إلى أنه بعد الحرب “لا تستطيع حماس أن تحكم غزة وحدها حتى لو لم تحقق إسرائيل نصرا عسكريا حاسما”.
وعن تقديره لنوايا الاحتلال الخاصة باجتياح رفح، عدَّ بشارة أن الأمر يتعلق بما إذا كان سيصدر إنذار مصري رسمي وعلني لإسرائيل من نوع أن عملية اجتياح رفح سيعني انتهاء اتفاق السلام، وأن ترسل مصر فعلا قواتها العسكرية إلى الحدود، وعدم الاكتفاء في رفض التهجير وكأن كل شيء آخر مسموح.
المصدر: عرب 48