Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

مبالغات عن الحضارة المصريّة القديمة عبر مواقع التواصل

يقول أستاذ علم الاجتماع السياسيّ المصريّ، سعيد صادق، تعليقا على هذه الظاهرة، “حين تفقد الدول مكانتها الإقليميّة أو الدوليّة، تُبالغ شعوبها في الحديث عن الماضي (…) إنها آلية دفاعيّة تُعوّض عن السؤال: أين نحن الآن؟”.

في مدينة الإسكندرية الساحلية (Getty Images)

من تمثال فرعونيّ تحدّى قصف الحلفاء في الحرب العالميّة الثانية، إلى استخدام الكهرباء وأشعّة ليزر، وصولا إلى غزو كوكب المريخ قبل آلاف السنوات، تحصد منشورات محمّلة بمبالغات وأخبار خياليّة عن الحضارة المصريّة القديمة وأمجادها، عشرات آلاف المشاركات عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، التي تعيش حاليا أزمة اقتصاديّة هي الأسوأ في تاريخها.

ويصف علماء الاجتماع هذه الظاهرة بأنّها “آليّة دفاعيّة” تظهر في مجتمعات تُبالغ في تمجيد الماضي، تعويضا عن فقدان مكانتها في الحاضر؛ فعلى مدى السنوات الماضية، ظهرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي منشورات كثيرة غير صحيحة عن الحضارة المصريّة القديمة، أصدرت خدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة “فرانس برس” تقارير فنّدت الكثير منها، على غرار منشورات تزعم أنّ أحجار الهرم الأكبر صُنعت يدويا، أو أن مصر القديمة عرفت المصابيح الكهربائيّة منذ القدم، أو – أغربها على الإطلاق – وصول المصريين القدماء إلى كوكب المريخ، قبل آلاف السنوات.

ويقول أستاذ علم الاجتماع السياسيّ المصريّ، سعيد صادق، تعليقا على هذه الظاهرة، “حين تفقد الدول مكانتها الإقليميّة أو الدوليّة، تُبالغ شعوبها في الحديث عن الماضي (…) إنها آلية دفاعيّة تُعوّض عن السؤال: أين نحن الآن؟”.

جانب من المتحف القومي للحضارة المصرية في القاهرة (Getty Images)

وتعيش مصر التي يناهز عدد سكانها 106 ملايين ويقبع ثلثهم تحت خطّ الفقر، في أزمة إقتصادية من بين الأسوأ في تاريخها، بعدما سجّل معدل التضخم مستوى قياسيا، مدفوعا بتراجع قيمة العملة المحلية، ونقص العملة الأجنبية في بلد يستورد معظم حاجاته الغذائية.

ويُضاف إلى ذلك تراجع دور مصر الإقليمي في العقود الماضية، ولاسيّما بعد العام 2011، وتوالي الاضطرابات السياسيّة والأزمات الاقتصاديّة.

إنجازات علميّة مزعومة… “المبالغة في الحديث عن الماضي”

شهدت الحضارة المصريّة القديمة تطوّرا علميا كبيرا لا تزال آثار البناء والتخطيط العمراني إضافة إلى النقوش شاهدة عليه إلى اليوم، لكنّ مروّجي الأخبار المضلّلة لا يكتفون بعرض هذه الحقائق، بل يلقون أخبارا غير حقيقيّة عن التاريخ القديم تجد بيئة خصبة لتداولها على نطاق واسع، رغم كونها خياليّة.

ويقول سعيد صادق: “على الرغم من أن الحضارة المصرية كانت حضارة مميزة بالفعل، إلا أن من يروجون لهذه المبالغات يبحثون عن مكانة لهم تحت الشمس، وسلاحهم هو المبالغة في الحديث عن الماضي”.

ففي السنوات الماضية، ظهر منشور على مواقع التواصل ادّعى أصحابه أن تمثالا للملك المصريّ أمنحتب الثاني كان الناجي الوحيد من بين كلّ مقتنيات ومعروضات متحف برلين بعد قصف الحلفاء له إبّان الحرب العالمية الثانية، وتنسب المنشورات لضابط أميركي في قوات الحلفاء قوله “من صنع هذا التمثال ليسوا بشرا عاديين”. لكن هذه القصّة ليست سوى من خيال مروّجيها، بحسب ما أكدت مديرة متحف برلين أوليفيا زرون.

تمثال فرعونيّ في متحف صينيّ (Getty Images)

وقالت: “هذا التمثال لم يكن الناجي الوحيد. نجت يومذاك (من قصف الحلفاء) قطع أثريّة مصريّة وقطع أثريّة غير مصريّة، والقطع التي تضرّرت كان من بينها قطع مصريّة وأخرى غير مصريّة… القطع ذات الحجم الكبير نجت كلّها تقريبا”.

ومن المنشورات التي تنسب إنجازات علميّة وهمية للمصريين القدماء، ادّعاء وجود نقش أثري لمصباح كهربائيّ صمّمه المصريون القدماء، واستخدموه قبل آلاف السنين من توماس أديسون. لكن ما يظهر في النقش حقيقة ليس مصباحا كهربائيا، بل نقش رمزيّ يجسّد نظرية خلق الكون في المعتقدات المصريّة القديمة، بحسب خبراء آثار وتاريخ استطلعت آراءهم وكالة “فرانس برس”.

وفي السياق نفسه، ظهرت منشورات تدّعي أن المصريين القدماء استخدموا أشعة ليزر، أو تقنيات متطوّرة للحفر على الغرانيت، لكن هذا الادّعاء ليس سوى “خرافة”، بحسب علماء الآثار والتاريخ.

ومن أغرب المنشورات على الإطلاق، تقرير مصوّر باللغة العربيّة، يتحدّث عن وصول الفراعنة إلى المريخ، مستشهدا بأقوال لـ”خبراء”. لكن هؤلاء “الخبراء” الذين استشهد بهم التقرير ليسوا سوى هواة معروفين بأفكارهم الغريبة، أما الخبير الحقيقي الوحيد الذي ورد اسمه في التقرير – عالم الآثار المصريّ زاهي حوّاس – فقد نفى صحّة ما نُسب إليه من معلومات “خرافية”.

ويرى زاهي حوّاس أنّ الهدف الأساسي لمروّجي هذه الأخبار، هو “تحقيق نسب مشاهدة عالية”، حتى وإن كان ذلك “على حساب العلم والحقيقة”.

“أزمة هويّة حقيقيّة”

وتحصد هذه الأخبار، رغم كونها غير منطقيّة، عشرات آلاف المشاركات ومئات آلاف التعليقات، ولا سيّما في مصر.

وتعليقا على ذلك، يقول المؤرّخ المصريّ عاصم الدسوقي: “حين يصدق الناس المنشورات المليئة بالمبالغات والأكاذيب عن تاريخ بلادهم، فهذا يعبّر عن أزمة هويّة حقيقيّة”.

(Getty Images)

ومن المزاعم الخرافيّة المتداولة أيضا منذ سنوات على مواقع التواصل، منشورات تدّعي أن المرأة في مصر القديمة كانت هي المسؤولة عن توزيع الميراث، وهو ما ينفيه الخبراء، أو أن أقدم قبر في التاريخ هو قبر أوزيريس. لكن أوزيريس ليست سوى شخصيّة أسطوريّة غير موجودة تاريخيا، ولا قبر لها.

ويقول عاصم الدسوقي، وهو أستاذ التاريخ المعاصر والحديث في جامعة عين شمس: “نحن لا نعرف من المصدر الأساسي لنشر هذه القصص المختلقة عن الحضارة المصرية على وسائل التواصل، لكنّ في كل الحالات أكثر من يساعده في نشر قصصه المختلقة هو غياب العلم وانتشار الجهل”.

ويضيف سعيد صادق: “هذه طبيعة إنسانية، وتحدث في كلّ المجتمعات التي كان لديها حضارة أو مكانة دولية ثم بات حاضرها أسوأ، وهذه الآليّة الدفاعية تجعل هؤلاء الأشخاص يشعرون بالتوازن”.

ويتابع: “حين يكون إحساس الشخص الداخليّ أن حاضره بات أسوأ، يصبح غير سعيد، ويصبح ترويج الخرافات والبحث في الماضي والمبالغة فيه، وسيلة للشعور بأنه أفضل من الناحية النفسية”.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *