متحف “سرسق” في بيروت يفتح أبوابه مجددًا بعد ترميمه على أثر الانفجار
لم يسلم القصر الّذي شيّد في مطلع القرن العشرين والواقع على بعد 800 متر من المرفأ، إذ أصاب الدمار “70 في المئة من مساحته، بحسب مديرة المتحف كارينا الحلو.
أعلن متحف سرسق الشهير في بيروت، عن فتح أبوابه مجدّدًا غدًا الجمعة، بعد ترميمه إثر الانفجار في المرفأ، والذي تسبّب بأضرار كبيرة فيه. ويشكّل المتحف أحد أبرز مراكز الحركة الثقافيّة اللبنانيّة.
واستلزمت إعادة تأهيل هذه التحفة المعماريّة نحو ثلاث سنوات من العمل، بحيث استعادت واجهتها البيضاء بقناطرها ونقشاتها الزخرفيّة، ونوافذها الزجاجيّة الملوّنة بالأصفر والبرتقاليّ، ومجموعتها الكبيرة من أعمال الفنّ الحديث والمعاصر.
وقالت مديرة متحف سرسق للفنّ التشكيليّ القديم والمعاصر كارينا الحلو وسط العمّال المنكبين على وضع اللمسات الأخيرة “شئنا أن يكون هذا الافتتاح هديّة للمدينة، إذ إنّنا كمتحف اشتقنا إلى الجمهور”. وشدّدت الحلو على أنّ هذا الافتتاح “يرمز إلى الأمل وإلى عودة الحياة الثقافيّة في لبنان”.
وأدّى انفجار 4 آب/أغسطس 2020 الناجم عن تخزين كمّيّة كبيرة من نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت من دون أيّ إجراءات احترازيّة إلى مصرع 215 شخصًا وتدمير أحياء العاصمة المجاورة للمرفأ، والّتي تستعيد حياتها مجدّدًا ببطء.
ولم يسلم القصر الّذي شيّد في مطلع القرن العشرين والواقع على بعد 800 متر من المرفأ، إذ أصاب الدمار “70 في المئة من مساحته، بحسب مديرة المتحف كارينا الحلو.
وأدّى عصف الانفجار إلى تحطيم النوافذ الزجاجيّة، فيما بقيت الواجهة شبه سليمة. لكنّ الأضرار في الداخل كانت كبيرة، إذ انهارت سقوف وتحطّمت لوحات خشبيّة. وتضرّرت قرابة 50 من القطع الفنّيّة المئة والثمانين الّتي كانت موجودة في المتحف وقت الانفجار،
وأوضحت المديرة البالغة 39 عامًا إنّ استغراق الترميم سنتين ونصف سنة يعود إلى أنّها “المرّة الأولى تكون أعمال فنّيّة (في المتحف) مصابة بهذا القدر من الأضرار”.
وتمثّل إحدى هذه اللوحات نقولا سرسق، مالك القصر الّذي حوّل متحفًا، رسمها الفرنسيّ الهولنديّ كيس فان دونغن في ثلاثينات القرن العشرين.
وهذه اللوحة عادت جزءًا من التشكيلة الدائمة للمتحف بعدما خضعت مع اثنتين أخريين لعمليّة إنقاذ متقنة في مركز بومبيدو الفرنسيّ، أحد أكبر متاحف الفنّ الحديث والمعاصر في العالم.
كان متحف سرسق الّذي دشّن عام 1961 شاهدًا على تقلّبات تاريخ لبنان، على سرّائه وضرائه، وحلوه ومرّه، من الحقبة الذهبيّة في الستّينات، إلى الحرب الّتي شهدها لبنان بين العامين 1975 و1990، وصولًا إلى الانفجار الضخم عام 2020.
هذا التاريخ من “موجات الزمن”، بحسب الحلو، وأثره على الساحة الفنّيّة المحلّيّة، هو محور المعرض الاستعاديّ الّذي يقيمه المتحف بمناسبة إعادة افتتاحه.
فالفنّانون، في رأي الحلو، “هم أيضًا مواطنون، مرّوا كما الجميع بالحرب (…) لكنّهم استمرّوا وتمكّنوا من مواصلة العمل وإنتاج اعمال فنّيّة تتّسم بجودة كبيرة”. ويضمّ المعرض أعمالًا لفنّانين لبنانيّين بينهم الرسّامان جورج داود قرم وجان خليفة، وللنحاتة سلوى روضة شقير.
في الطبقة الأولى من المتحف، كان العمّال منهمكين بوضع آخر الملصقات التوضيحيّة بإشراف المسؤولة عن المكتبة والأرشيف روينا بو حرب. وقالت “لم أخرج بعد من الصدمة، ومثلي كثر”. وأضافت “يجب أن نتذكّر دائمًا ما حصل كي لا يتكرّر”.
وروت كيف عمل فريق المتحف غداة الانفجار على نقل القطع إلى الطبقات السفليّة لكي تكون في مأمن وخصوصًا من الطقس الحادّ: “همنا الوحيد كان إنقاذ الأعمال الفنّيّة والحفاظ على التراث، إلى درجة أنّنا نسينا أنفسنا وبقينا إلى ساعة متقدّمة”.
لكنّ المتحف لم يشأ محو آثار الكارثة كلّيًّا، بل تعمّد إبقاءها ظاهرة على إحدى اللوحات، بحيث رممت جزئيًّا، والهدف من ذلك يبقى شاهدًا على المأساة.
ورأت مديرة المتحف أنّ هذه اللوحة العائدة إلى الفنّان اللبنانيّ بول غيراغوسيان والّتي أدّى عصف الانفجار إلى نزع بعض أجزائها، تمثّل “رمزًا للذاكرة”. واحتفال الافتتاح هو أيضًا رمز، ولكن للقدرة على الاستمرار، إذ هو الرابع في تاريخ المتحف منذ إنشائه،
وفي ظلّ الأزمة الاقتصاديّة والسياسيّة غير المسبوقة الّتي يشهدها لبنان، بلغت تكلفة ترميم متحف سرسق، وهو مؤسّسة خاصّة، أكثر من مليونين ونصف مليون دولار.
وتكفّلت إيطاليا تمويل جزء كبير من المشروع، من خلال مبادرة “لبيروت” الّتي أطلقتها اليونسكو. كذلك ساهمت في التمويل وزارة الثقافة الفرنسيّة والتحالف الدوليّ لحماية التراث في مناطق النزاعات.
ووصفت المديرة العامّة لليونسكو أودري أزولاي متحف سرسق بأنّه “جوهرة العمارة والحياة الثقافيّة اللبنانيّة، وهو رمز قويّ للفخر والصمود لدى المجتمع البيروتيّ”.
المصدر: عرب 48