محال تجارية تغلق أبوابها بسبب الحرب وتفاقم الأزمة الاقتصادية
منذ اندلاع الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أغلقت نحو 46 ألف مصلحة تجارية أبوابها، وهذه المصالح مسجلة بشكل رسمي، وفقًا للمعطيات المتوفرة.
مدخل أم الفحم (عرب 48)
تأثرت محال تجارية في المجتمع العربي بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان، واتخذت بعض المتاجر قرارًا بإغلاق أبوابها إثر تفاقم الأوضاع الاقتصادية.
أُغلق نحو 46 ألف محل تجاري منذ اندلاع الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ويتوقع خبراء في الاقتصاد أن يبلغ عدد المحال التجارية المغلقة حتى نهاية العام الجاري نحو 60 ألف، بمعدل 170 مصلحة تجارية تغلق أبوابها بشكل يومي.
بات الزبون يهتم بسعر المنتج أكثر من جودته، في ظل فقدان الكثير من المواطنين أعمالهم ومصادر رزقهم في ظل الحرب، والتي أثرت بشكل كبير على الناس، لا سيما المواطنين العرب الذين لا يتم منحهم أي هبات حكومية تساعدهم في حالات الطوارئ.
يلاحظ الزائر لمدينة أم الفحم، على سبيل المثال، في هذه الأيام العديد من المحال التجارية المغلقة في الشارع الرئيسي خلافا للأعوام السابقة، والتي بالكاد كنت تجد فيها محلا مغلقا.
قالت دينا حسن محاميد، صاحبة مكتبة قررت إغلاقها، لـ”عرب 48” إنه “عندما بدأت الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كان عمر المكتبة 3 أشهر، وبالطبع كأي مصلحة تجارية حديثة وضعها في البداية ليس بأفضل حال، ولكن كان الإقبال جيدا نوعًا ما. بعد مرور 3 أشهر على افتتاح المكتبة بدأت الحرب، وهناك اختلف وانقلب كل شيء، وبعد مرور شهرين من الحرب أصبحت الأوضاع صعبة جدًا، وتوقفت الفعاليات المدرسية بشكل كامل، وكانت تخوفات كبيرة عند الأهالي في بداية الحرب، وكان الإقبال من الزبائن شبه معدوم”.
وأضافت أنه “بعد مرور أشهر على الحرب، تحسنت الأوضاع نوعًا ما، صحيح أنها لم تكن كما كانت في بداية الحرب، ولكن بعد مرور شهر رمضان المبارك وعيد الفطر توقفت الفعاليات في المدارس وأدى ذلك إلى انخفاض كبير بالمبيعات، ومن ثم كانت العطلة الصيفية الكبيرة، وبالتالي لم يكن مبيعات تقريبًا، عدا إحجام الأهالي عن الشراء بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة”.
وعن أسباب اتخاذ قرار إغلاق المكتبة، أوضحت محاميد أن “المكتبة بحاجة لدخل جيد حتى تستطيع الاستمرار في العمل كما يجب، خاصة أنه يوجد عمال في المكتبة بالإضافة إلى البضائع التي تتجدد طوال الوقت، وأيضًا يجب توفير إيجار المحل والالتزامات المختلفة في المكتبة. كل هذا أدى إلى أزمة اقتصادية، حيث أن دخل المصلحة انخفض بنسبة 60% وهذا أدى إلى أزمة كبيرة، وباتت مصاريف المكتبة أكثر من دخلها”.
ولفتت إلى أنه “طوال الوقت حاولنا ألا نغلق المكتبة التي كانت بالنسبة لي حلم تحقق ولم يدم طويلاً بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي عشناها. استنفذنا كافة الوسائل والطرق حتى نتجنب إغلاق المكتبة، لكن كل ذلك لم يأت بحل في ظل دفع إيجار والتزامات كبيرة، وبالتالي بعد تفكير طويل وعميق قررنا إغلاق المكتبة”.
وحول البضاعة داخل المكتبة، قالت إنه “نعمل على بيع المستلزمات والبضائع التي في المكتبة بأسعار أقل وذلك حتى نبيعها، وعلى الأقل نعوّض جزءا من الخسائر التي تكبدناها، وأيضًا كل الأثاث الذي في المكتبة من طاولات ورفوف وغيرها قمنا ببيعها بسعر أقل”.
وعن سلوك الزبائن في ظل الحرب، قالت “حقيقةً، سلوك الزبائن قبل الحرب كان مختلفًا عن سلوكهم بعد الحرب، إذ أن الأهالي قبل الحرب كانوا يهتمون بالجودة، ولكن بعد الحرب تغير سلوكهم وأصبح السعر يهمهم بشكل أكبر، فهم يريدون شراء المستلزمات الأساسية لأبنائهم بغض النظر عن جودتها، الأمر الذي أدى إلى تكدس البضائع التي جودتها أفضل، وأنا أتفهم سلوك الزبون خاصة في ظل الحرب وفقدان الكثير من العائلات مصادر دخلها وسط غلاء الأسعار التي نعيشه”.
وختمت محاميد حديثها بالقول إنه “لا أنصح أي شخص فتح أي مصلحة تجارية في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي نعيشها. بات سلوك المستهلك مختلفًا عن السلوك المعتاد، لذلك ترووا وفكروا جيدًا قبل فتح أي مصلحة، لأن هذه الحرب غيرت كل شيء وحتى سلوك الزبون بعد الحرب”.
وقال المختص الاقتصادي ومستشار الضرائب ووكيل التأمينات، ساهر بركة، لـ”عرب 48” إن “المحال التجارية في هذه الفترة ليست بأفضل أحوالها، إذ أن الكثير من المصالح التجارية أغلقت أبوابها، والاحتمال أن تغلق محلات تجارية أخرى أبوابها ليس بعيدًا، وذلك نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الدولة، الأمر الذي يؤدي إلى إغلاق المتاجر وغيرها”.
وأضاف أنه “منذ اندلاع الحرب أغلقت قرابة 46 ألف مصلحة تجارية أبوابها، وهذه المصالح المسجلة بشكل رسمي وفقًا للمعطيات التي تلقيناها، ووفقًا لهذه الأرقام نتوقع أن يصل عدد المصالح التجارية التي تغلق أبوابها حتى نهاية العام الجاري إلى 60 ألف مصلحة، بمعدل 170 مصلحة تجارية تغلق أبوابها بشكل يومي، حيث أن هذه الأرقام مرتفعة ولم تكن بالسابق”.
وعن أسباب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، أشار إلى أن “السبب الأساسي للأوضاع الاقتصادية الصعبة هي القضية المركزية، الحرب التي لا نعرف أين تسير وأين ستصل، وهذا أدى إلى تخفيض مصاريف الأهالي والاقتصاد في ظل هذه الأوضاع، وذلك بسبب تخوف الأهالي من المستقبل، حيث بات أغلب المواطنين يحافظون على أموالهم، وبات القسم الأكبر يعمل على شراء المستلزمات الأساسية فقط”.
وتطرق بركة إلى غلاء المعيشة في البلاد، وقال إن “الغلاء المستشري سببه الأساسي الاحتكار من قبل المستوردين الذين يسيطرون على الأسواق، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق، وبالتالي هذا يؤدي بصورة عكسية على جعل المواطنين يقللون من الشراء في ظل ارتفاع الأسعار، وهذا يقودنا إلى الضرر بالمصالح التجارية”.
وأوضح أن “المعادلة في المصالح التجارية تتمحور حول المصروفات مقابل المدخولات، مصاريف المصلحة التجارية من إيجار المحل، وأثمان الكهرباء، والماء، ورواتب العمال، والضرائب، في ارتفاع مستمر، بالإضافة إلى الزيادات التي تكون من قبل المستورد الكبير على البضائع، وهذا يؤدي إلى رفع الأسعار”.
وأكد الخبير الاقتصادي أنه “حقيقةً، توجد رقابة على أسعار منتجات معينة ومنها، الخبز والحليب والبيض، إذ أن وزير الاقتصاد حاول القيام بمحاولة من هذا النوع حتى لا يكون احتكار من قبل المستوردين، ولكن هذه الخطوات لم تنجح مع وزير الاقتصاد، كون المستوردين يدفعون مبالغ طائلة للدولة، وبالتالي لا تستطيع الحكومة العمل ضدهم بشكل جدي”.
وعن ادعاءات المستوردين، قال إن “الكثير من الحجج والادعاءات لدى هؤلاء المستوردين ومنها شراء البضائع بالدولار، وبالتالي يدفعون مبالغ كبيرة مقابل البضائع، وعمليات النقل لهذه البضائع التي ترتفع، وإغلاق البحر الأحمر أمام السفن الإسرائيلية، إذ أن هذه الادعاءات يستغلها التجار، ولكن باعتقادي هذه الحجج فقط من أجل إدخال أكبر كمية مال إلى جيوب هؤلاء المستوردين”.
وعن الضرر من رفع الأسعار، قال بركة إنه “بالطبع، الثمن الباهض يعود على المواطن البسيط، والمصلحة التجارية التي ارتفعت لديها المصاريف وغلاء السلع والمنتجات، وبالتالي بات سلوك الزبون مختلفا ويعمل على الاقتصاد قدر الأماكن في ظل عدم معرفة ماذا سيحصل في المستقبل، حيث أن السلة الغذائية للعائلة الواحدة كانت تصل إلى 1200 شيكل واليوم السلة الغذائية تصل إلى 1800 شيكل، وهذا ارتفاع كبير، وبالتالي بات الزبون يشتري أقل، وهذا أدى إلى ضرر لدى أصحاب المحال التجارية الذين باتوا ينفقون من جيوبهم الخاصة، وبالتالي يخسرون، وهذا دفع الكثير من التجار على اتخاذ قرار إغلاق المصالح التجارية”.
وختم الخبير الاقتصادي حديثه بالقول إن “الضرر يكون على المصالح التجارية الصغيرة والكبيرة بذات القدر، حيث أن المصالح الكبيرة لديها عدد موظفين أكبر ودفع ضرائب أكثر، والمصالح التجارية الصغيرة أيضًا لديها ذات المصاريف التي تدفعها، ولكن يبقى السؤال كيف يتصرف صاحب المصلحة حتى يستطيع مواصلة العمل في ظل هذه الظروف. بالإضافة إلى ذلك ليس فقط المصالح التجارية متضررة إنما كافة القطاعات والشرائح مثل المقاولين والمزارعين وغيرهم”.
المصدر: عرب 48