مرورا بجثامين شهداء ودمار… أن تخترق الحصار والدبابات الإسرائيليّة بجنح الظلام شماليّ غزة
الأهالي بمخيم جباليا محاصرون منذ أسابيع مع غياب مقومات الحياة وسط قصف إسرائيلي مكثّف؛ بعضهم سلك طرقا خطرة محاصرة بالدبابات مع مشاهد مرعبة لجثامين ومنازل مدمرة، محاولين الهروب لمناطق أقل خطورة.
تحت جُنح الظلام الدامس ومع زخّات المطر الغزير، تمكّن الشاب تيسير مازن برفقة مجموعة من الرجال، من اختراق الحصار الإسرائيليّ المفروض على مخيم جباليا، فشاءت الأقدار له النجاة ولآخرين أن يستشهدوا.
مازن ومعه محاصرون بالمخيم الذي يتعرض لإبادة جماعية وتطهير عرقي منذ نحو شهرين، تخفّوا وراء ستار الظلام، وساعدتهم الأمطار الغزيرة في التنقل من مكان لآخر، رغم الخطورة الشديدة والقصف الإسرائيلي الذي يستهدف كل متحرّك وثابت.
قبل عدة أيام، سلك مازن ومن معه طريقا خطرة محاصرة بالدبابات الإسرائيلية من جميع الجهات، بعدما فقدوا الأمل بقرب انتهاء العملية العسكرية، شمالي قطاع غزة المنكوب.
على الطريق الخلاص، شاهد الشاب جثامين متناثرة وأحياءً سكنية هدمت بالكامل، ومركبات وسيارات حطمتها الآليات العسكرية الإسرائيلية وسوّتها بالأرض، إضافة للدمار الهائل بالبنية التحتية والشوارع.
ولا يزال نحو 80 ألف شخص محاصرين بمحافظة شمال قطاع غزة منذ 56 يوما، مع استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية، ومنع دخول إمدادات المياه والطعام إليهم.
وفي 5 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اجتاح الجيش الإسرائيلي شمالي القطاع، بذريعة “منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة”.
فيما يؤكد الأهالي أن إسرائيل ترغب في احتلال الشمال وتحويله إلى منطقة عازلة بعد تهجيرهم تحت وطأة قصف متواصل، وحصار مشدد يمنع إدخال الغذاء والماء والأدوية.
“تدمير ممنهَج لكي تصير المنطقة غير صالحة للحياة”
يقول الشاب مازن: “اخترت أن أسلك ذلك الطريق الخطر جدا، لأنني فقدت الأمل بإمكانية انتهاء العملية العسكرية، والخروج من مخيم جباليا بسلام”.
ويضيف: “عشت حصارا خانقا لوحدي داخل منزل العائلة في مخيم جباليا دون طعام أو ماء أو مقومات أخرى، كان الموت يقترب مني كل دقيقة مع تقدّم الآليات الإسرائيلية نحو بيتنا، وهدم معظم البيوت المحيطة”.
ويتابع مازن: “العناية الإلهية هي من منعت الجيش الإسرائيلي من الوصول إلي وقتلي أو اعتقالي”.
ويشير إلى أن الطريق التي سلكها للفرار من الجحيم لم تكن سهلة أبدا، وأن نسبة المخاطرة بها كانت عالية جدا.
ويلفت إلى أنه رافقه في الفرار عبر “طريق الموت” عشرات الشبان والرجال المحاصرين الذين فقدوا كل مقومات الصمود.
وبحسب كلامه، لم يصل الجميع بسلام إلى مدينة غزة، لأن الجيش الإسرائيلي أطلق صوبهم عشوائيا قذائف وطلقات نارية، “أُصيب البعض وآخرون استشهدوا على الفور، وظلت جثامينهم هناك ملقاة على الأرض”.
الشاب يصف الوضع شمالي قطاع غزة بأنه “كارثي للغاية، لأن كل شيء تم تدميره بشكل ممنهج، لكي تصير المنطقة غير صالحة للحياة، حتى لو انسحب الجيش الإسرائيلي منها”.
وعن ما شاهده خلال طريق الوصول لمدينة غزة يقول: “الأماكن هناك مدمرة بالكامل، والركام في كل مكان، وهناك نيران مشتعلة في بعض المنازل منذ أيام، ولا أحد يستطيع إطفاءها”.
ويضيف أن “الآليات الإسرائيلية تنتشر في مخيم جباليا ومحيطه بشكل كبير جدا، وتطلق النار على الدوام تجاه أي هدف متحرك”.
“اخترت السير في طريق الموت”
الشاب محمد سليم، عاش تجربة مشابهة، بعدما تمكّن رفقة 4 شبان من اختراق حصار جباليا، والوصول إلى مدينة غزة، متجاوزين الآليات العسكرية الإسرائيلية والغطاء الناري الذي صنعته في أماكن توغلها.
يقول سليم: “أطلقت الدبابات الإسرائيلية النار صوبنا 3 مرات خلال محاولة الفرار، وحاصرتنا مُسيّرة لأكثر من ساعتين واضطررنا للانتشار بين ركام المنازل المدمرة للتخفي منها”.
ويضيف: “بعد نحو ساعتين من التخفي هطلت الأمطار بكثافة، فخرجنا وأكملنا طريقنا حتى وصلنا إلى مشارف مدينة غزة”.
ويتابع: “أنا مدني لا علاقة لي بأي أحزاب أو أعمال عسكرية، لكنني أخشى فكرة الاعتقال لما سمعته من تجارب قاسية داخل السجون الإسرائيلية، لذلك اخترت المخاطرة، والسير في طريق الموت”.
ويتابع سليم حديثه: “جيش الاحتلال دمر كل شيء في مخيم جباليا، حوّله إلى كومة ركام بعدما كان يضج بالمعالم والحياة”.
ويضيف: “حياة الحصار شمال قطاع غزة كانت جدا صعبة، لا يتوفّر ماء أو طعام، فقط يتوفر الموت بكل ثانية بفعل القصف الإسرائيلي الذي لا يتوقف”.
وخلّفت الحرب الإسرائيلية على غزة، أكثر من 149 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
المصدر: عرب 48