مزيج من القلق والتفاؤل الحذر حيال المرحلة المقبلة في سورية
تتأرجح المواقف الأوروبية بين القلق والتفاؤل الحذر بعد سقوط نظام بشار الأسد في سورية، حيث بدأت الحكومات الأوروبية بالترحيب بالتغيير، مع مخاوف من دور فصائل المعارضة المسلحة والجماعات المتشددة إمكانية عودة تهديدات تنظيم “داعش”.
تجد الحكومات الأوروبية نفسها في حالة ترقب بعدما فوجئت بسقوط نظام بشار الأسد في سورية، حيال الموقف الذي ينبغي اعتماده من فصائل المعارضة المسلحة التي أطاحت بالنظام، مع مزيح من القلق و”التفاؤل الحذر”.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”
ومنذ يوم الأحد الماضي، أجمعت هذه الدول على الترحيب بسقوط نظام بشار الأسد بعدما حكم البلاد بقبضة حديد على مدى 24 عاما من بينها 14 شهدت هجوما على الشعب السوري لقمع ثورته التي طالبت بالحرية.
إلا أن نهج “هيئة تحرير الشام”، جبهة النصرة سابقا قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، وتصنيفها “منظمة إرهابية” من جانب دول غربية عدة، يثير مخاوف غربية وعربية؛ وفي محاولة لاعتماد نهج مشترك حيال السلطات الجديدة في سورية، قررت دول مجموعة السبع عقد اجتماع، الجمعة.
وقال الباحث المشارك في معهد “رويال يونايتد سيرفيسيز” في لندن، أوربن كونينغهام، إن الحكومات الأوروبية حتى الآن “لا تملك جوابا (..) ولا يسعها إلا الانتظار لمتابعة ما سيحدث”؛ علما بأن فصائل المعارضة المسلحة أعلنت تكليف محمد البشير تولي حكومة تسيير أعمال.
وتؤكد “هيئة تحرير الشام” أنها تخلت عن الخط الجهادي، إلا أن ثمة مخاوف من تكرار السيناريو الذي حصل في أفغانستان حيث تفرض حركة طالبان تطبيقا صارما للشريعة الإسلامية.
وأشار كونينغهام إلى أن فصائل المعارضة المسلحة وقائدها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) “بذلوا قصارى جهدهم حتى الآن مع تحدثهم عن ضرورة قيام حكومة براغماتية وجامعة”. ورأى أن “التفاؤل الحذر” هو الشعور الطاغي حاليا في صفوف الدول الأوروبية.
وللباحث في مركز شاتام هاوس للابحاث، بدر موسى السيف، الرأي نفسه، مشيرا إلى أنه بعد سقوط مدينة حلب، لم يتعرض أحد للمسيحيين فيها.
وفي مقابلة مع صحيفة “كورييري دي لا سيرا” الإيطالية، أكد محمد البشير التزامه “ضمان” حقوق الأقليات في سورية التي تضم طوائف وإثنيات متعددة.
وفي المملكة المتحدة، لم تستبعد حكومة كير ستارمر، وهو محام سابق في مجال حقوق الإنسان، الحوار. وقال ناطق باسم الحكومة البريطانية العمالية:1 “كون هيئة تحرير الشام مجموعة إرهابية محظورة لا يمنع الحكومة من الانخراط في مباحثات معها في المستقبل”.
وقال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني، أولاف شولتس، من جهتهما إنهما “مستعدان للتعاون مع القادة السوريين الجدد” بشروط.
وأفاد مصدر دبلوماسي أوروبي بأن بعض الدول باشرت “إقامة قنوات اتصال غير مباشر مع هيئة تحرير الشام” التي “تحولت من حركة جهاد عالمي إلى حركة إسلامية وطنية”. لكنه أضاف “من السابق جدا لأوانه” التخلي عن الحذر.
وبالنسبة إلى الأمم المتحدة، قال مبعوثها الخاص إلى سورية، غير بيدرسن، إن “الاختبار الأهم” يبقى في وضع المرحلة الانتقالية موضع التنفيذ.
لكن يبقى أيضا التحديات المتمثلة بالأمن والهجرة.
فقد تستغل جماعات جهادية مثل تنظيم “داعش” من فوضى محتملة أو انقسامات بين الفصائل، في مرحلة ما بعد حكم الأسد في سورية لاستعادة السيطرة على مناطق خسرتها.
وأشار أوربن كونينغهام إلى أن “وجود كميات كبيرة من الأسلحة في سورية من بينها أسلحة كيميائية” يزيد من خطورة الوضع.
يضاف إلى ذلك أيضا المعتقلات التي تكتظ بالمعتقلين في منطقة سيطرة الأكراد في شمال شرق البلاد التي تضم عشرات آلاف المقاتلين من تنظيم داعش مع نساء وأطفال من بينهم مواطنون أوروبيون.
ورأى الباحث أن “ثمة خطرا أن يحرر تنظيم داعش هؤلاء المعتقلين”. ووضعت أجهزة الاستخبارات في المملكة المتحدة في حالة تأهب لمواجهة احتمال مماثل.
وشدد جوليان بارنز-دايسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية على أن “استقرار سورية يصب في مصلحة الأوروبيين” متحدثا عن موجة هجرة جديدة محتملة في حال غرق سورية في الفوضى.
أما الولايات المتحدة، فيبدو أن المسؤولين فيها يتغاضون راهنا عن كون “هيئة تحرير الشام” مصنفة “منظمة إرهابية”، ويؤكدون أنهم يريدون أن يحكموا “على الأفعال” مشددين على أن الهيئة “تستخدم في الوقت الراهن الكلام المناسب”.
ودعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي يزور الخميس الأردن وينتقل الجمعة إلى تركيا لإجراء مباحثات حول سورية، “إلى مرحلة انتقالية جامعة (…) نحو حكومة مسؤولة وذات صفة تمثيلية”.
المصدر: عرب 48