مسافر يطا.. صمود وبقاء رغم كابوس التهجير
يُبدي رئيس مجلس مسافر يطا، نضال أبو يونس، توجسه من ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان مسافر يطا في قضاء الخليل بالضفة الغربية المحتلة، ولا يستبعد أن تقوم حكومة الاحتلال بإجراءات مباغتة لتهجير السكان وتشريدهم واقتلاعهم من أراضيهم الممتدة على مساحة 35 ألف دونم، وذلك بموجب قرار أصدرته المحكمة العليا الإسرائيلية في أيار/ مايو 2022.
وتقع التجمعات المهددة بالتهجير القسري، جنوبي مدينة الخليل، إلى الجنوب الشرقي من يطا في منطقة تم إعلانها منطقة إطلاق نار في 25 كانون الأول/ ديسمبر 1972، حيث لا تستخدم لأغراض التدريب العسكري سوى 3% من إجمالي المساحة المعلنة.
وتضم مسافر يطا، 17 تجمعا فلسطينيا، جميعها موجود قبل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967 وهي: جنبا، والمركز، وحلاوة، وخربة الفخيت، وخربة التبانة، وخربة المجاز، وصفي الفوقا، وصفي التحتا، ومغاير العبيد، وطوبة، وخلة الضبع، والخروبة، وخربة المفقرة، وخربة صرورة، والركيز، وبير العد، التي تقع في دائرة أهداف الاستيطان وترحيل وتهجير الفلسطينيين، علما أنه صدرت أوامر إسرائيلية لإخلاء وتهجير 12 قرية.
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، عمدت مختلف حكومات الاحتلال على فرض وقائع على الأرض، بيد أن حكومة الاحتلال الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، أطلقت العنان لعصابات المستوطنين التي تمادت في عدوانها واعتداءاتها على الفلسطينيين وتشديد الخناق عليهم.
ليس هذا فقط، بل ألغت ما تسمى “الإدارة المدنية” التابعة لسلطات الاحتلال أي إجراءات قضائية شكلية التي كانت في السابق تؤجل تنفيذ المخططات الاقتلاعية للفلسطينيين، في وقت بدت إجراءات الإدارة المدنية أكثر سرعة وإنفاذ سواء في الإخطارات، والهدم، ووقف أعمال البناء، ورفض طلبات الترخيص للمنازل في مسافر يطا.
هدم وإخلاء
وأوضح أبو يونس في حديثه لـ”عرب 48“، أن سلطات الاحتلال تتعامل بضبابية مع ملف قرى مسافر يطا الصادر بحقها إخطارات هدم وإخلاء، مشيرا إلى أن سلطات جيش الاحتلال التي صعدت من التضييق والملاحقة للسكان، تزعم أنها لم تحصل على أي تعليمات من المستوى السياسي الإسرائيلي لعملية الإخلاء والطرد للسكان على الرغم من قرار المحكمة العليا.
وشكك أبو يونس في مزاعم جيش الاحتلال التي تأتي في ظل الضغوطات الدولية التي مورست على حكومة الاحتلال، عقب الكشف عن مخطط تهجير سكان مسافر يطا وقوننة البؤر الاستيطانية في المنطقة، مشيرا إلى أن ما يصدر عن حكومة الاحتلال بتعليق التهجير والإخلاء بمثابة جس نبض للفلسطينيين ليس إلا.
ويعتقد رئيس مجلس مسافر يطا، أن الواقع يحتم على الفلسطينيين أن يكونوا على أهبة الاستعداد وفي أعلى جهوزية، كون ممارسة سلطات الاحتلال على أرض الواقع، سواء بالزحف الاستيطاني، وشرعنة بعض البؤر الاستيطانية وإطلاق العنان لعصابات المستوطنين بملاحقة سكان القرى المهددة بالهدم، توحي بأن سلطات الاحتلال تجري ترتيبات لعملية ترحيل وتهجير واسعة للفلسطينيين في مسافر يطا بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار.
مطالب واستئناف
وأمام تطلع حكومة الاحتلال لتنفيذ خطة الإخلاء والهدم لقرى مسافر يطا بموجب قرار المحكمة العليا، لا توجد مقترحات جديدة، إذ تصر سلطات الاحتلال على ترحيل سكان 12 قرية فلسطينية ونقل سكانها إلى منطقة دورا الخليل على مسطحات أراض تتبع لعائلات فلسطينية.
ويعني ذلك، يقول أبو يونس إنه “دق الأسافين بين أبناء الشعب الفلسطيني وزرع الفتنة، وهو الأمر الذي نرفضه، فنحن نصر على مطالبنا وحقنا بالإبقاء على السكان فوق أراضيهم، وفي قراهم، والاعتراف بها وبمناطق ومسطحات النفوذ”.
واستذكر أبو يونس مداولات المحكمة العليا من العام 2020، إذ تم التداول في استئناف سكان مسافر يطا ضد هدم مدرسة مؤلفة من 28 غرفة تدريس، وكذلك عيادة طبية، ورُدّ الاستئناف، فيما كان رد سلطات الاحتلال واضحا بضرورة تنفيذ عملية الهدم وترحيل سكان القرى بمسافر يطا.
سلب وسيطرة
وأشار رئيس مجلس مسافر يطا إلى أن الاحتلال يصر على الهدم والتهجير تحت ذريعة إخراج الفلسطينيين مما تسمى مناطق إطلاق النار، وهي المناطق التي تم اختلاقها تحت هذا المسمى لدفع السكان على الرحيل القسري، لكن صمود الفلسطينيين وتشبثهم بالأرض، دفع سلطات الاحتلال للاستعانة بالمحاكم من أجل تنفيذ المخطط.
وعن المُسَوِّغ القَانُونِيّ للاحتلال باعتبار مناطقة شاسعة في مسافر يطا مناطق إطلاق نار، يقول أبو يونس إن “هذا المسوغ فرض بشكل غير قانوني، إذ أعلن عام 1980 عن مساحات واسعة مناطق إطلاق نار، وهي المناطق التي تفصل مسافر يطا وجنوبي الضفة الغربية عن منطقة شمالي النقب، ما يعني منع أي تواصل جغرافي فلسطيني، وتكثيف الاستيطان في المنطقة المستهدفة”.
واستعرض أبو يونس تداعيات ما تسمى مناطق إطلاق النار على الفلسطينيين، مشيرا إلى أن الاحتلال يتطلع لوضع اليد على 50 ألف دونم للفلسطينيين، علما أن المستوطنين تمكنوا من سلب 15 ألف دونم والسيطرة عليها ضمن التوسع الاستيطاني، سواء للاستيطان الزراعي أو البؤر الاستيطانية، بمساعدة جيش الاحتلال الذي كان يعلن عن مسطحات هذه الأراضي كمناطق عسكرية ومن ثم كانت تُحوّل للتوسع الاستيطاني.
اقتحام واستيطان
وأوضح أبو يونس أن حكومة الاحتلال الحالية تسرع إجراءات توسيع الاستيطان وقوننة البؤر الاستيطانية في مسافر يطا، بالتوازي مع تسريع وتيرة هدم المنازل والمنشآت الفلسطينية، فيما ترفض الإدارة المدنية المصادقة على طلبات الترخيص لمنازل الفلسطينيين، دون منحهم حتى الحق بتقديم الاستئناف، في وقت تحرك وبشكل سريع مخططات استيطانية كانت بالدرج منذ سنوات طويلة.
وأمام هذه المخططات الاستيطانية ومخططات التهجير والتشريد للفلسطينيين، توفر حكومة الاحتلال الحراسة والحماية لعصابات المستوطنين التي صعدت من اقتحام قرى مسافر يطا والاعتداء على السكان، وقطع الطرق على طلبة المدارس والتنكيل بهم، وكذلك ملاحقة المزارعين الفلسطينيين وإتلاف المحاصيل الزراعية، إلى جانب استهداف الماشية وتسميمها.
بالتوازي مع ذلك، تنشط الجمعيات الاستيطانية ضد البناء الفلسطيني، وتوثق أي توسع للبناء حتى للمنشآت والمدارس الممولة من قبل الاتحاد الأوروبي، وتقدم طلبات للإدارة المدنية بالهدم ووقف البناء، والتي بدورها لا تتردد بالاستجابة الفورية لهذه الطلبات.
تهجير وتشريد
تستذكر فاطمة محمد نواجعة، في حديثها لـ”عرب 48“، مشاهد التهجير الأولى لسكان من مسافر يطا في العام 1986، إذ طال التهجير والتشريد مسقط رأسها خربة سوسيا، وطردت سلطات الاحتلال وتحت قوة السلاح 100 عائلة من الخربة التي حوّلتها إلى موقع أثري سلمته لمستوطن واحد فقط، والذي استوطن الخربة وحوّلها لبؤرة استيطانية سياحية.
فاطمة أسوة بغيرها من أهالي الخربة قطنوا في أراضيهم المتاخمة للخربة التي هُجِّروا منها عنوة، سكنوا الكهوف ونصبوا الخيام تصديا لمخطط التهجير والتشريد، لكن تقول فاطمة إن “الاحتلال بممارساته خلق حالة من التباعد الاجتماعي بين أفراد العائلة الواحدة، ومنع أي تواصل جغرافي وامتداد فلسطيني في مسافر يطا، لكن دون أن ينال من صمودهم”.
أمام صمود السكان الفلسطينيين الذين حُرموا من أبسط الخدمات ومقومات الحياة ومنعت عنهم المياه والكهرباء بغية إجبارهم على الرحيل القسري، تقول فاطمة لـ”عرب 48″ إن “سلطات الاحتلال وضعت لها موطئ قدم في مسافر يطا، وذلك من خلال تزوير المواقع الأثرية وتهويدها، عبر ربط خربة سوسيا بالتاريخ اليهودي التوراتي”.
صمود وبقاء
وأشارت فاطمة التي تدير جمعية “نساء الريف” لتعزيز صمود المرأة في مسافر يطا، إلى أن خربة سوسيا التي تم إخلاء سكانها الفلسطينيين وطردهم من منازلهم، توجد فيها كنيسة من الحقبة الرومانية حُوّلت إلى كنيس، ومسجد من الفترة العثمانية تم هدمه وطمس أي معلم عربي وإسلامي في المكان.
وعلى مدار عقود حوّلت سلطات الاحتلال مسافر يطا إلى جحيم للفلسطينيين، عبر التهجير والطرد والسيطرة على عشرات آلاف الدونمات، لتكون منطقة غير قابلة للحياة للفلسطيني ودون أي خدمات تذكر، وذلك تحت ذريعة أن المكان منطقة عسكرية مغلقة، فيما عمدت سلطات الاحتلال على توسيع المشروع الاستيطاني وإمداده بالخدمات ومشاريع البنى التحتية والطرقات، في وقت تمدد أخطبوط المزارع والبؤر الاستيطانية على حساب الوجود السكاني للفلسطينيين وأراضيهم.
وتؤكد فاطمة أن “ارتباط الفلسطينيين في الأرض بمسافر يطا أقوى من الاحتلال، وجذورنا أعمق في الأرض من المستوطنين والمشاريع الاستيطانية، وعليه سنبقى في قرانا ونواصل مسيرة النضال وتدعيم صمود السكان والمرأة الفلسطينية التي تعتبر حجر الأساس في معركة الصمود والبقاء والتدعيم المجتمعي الفلسطيني حتى كنس المحتل والمستوطنين”.
نضال ودفاع
وعبّر عن هذا الموقف أيضا مُنسق لجنة الدفاع عن الخليل، هشام الشرباتي، وأكد أن مسافر يطا الممتدة على مساحة 328 كيلو مترا مربعا تعتبر صمام الأمان وخط الدفاع الأول عن جنوبي الضفة الغربية التي تخوض معركة وجود أمام تغول المشروع الاستيطاني، وعليه يأتي هذا النضال الفلسطيني الموحد ضد الاحتلال والتمييز العنصري للدفاع عن سكان القرى وتعزيز صمودهم في أراضيهم، وذلك من أجل إفشال مخطط الأبرتهايد.
وأوضح الشرباتي لـ”عرب 48” أن القرى والسكان في مسافر يطا يتعرضون لتطهير عرقي، وملاحقة في أراضيهم ومزارعهم، وهدم لمنازلهم عبر اعتماد أساليب الترحيل القسري، بسلبهم مقومات الحياة، وأبسط الخدمات الحياتية، وهو يعكس مخططات الاحتلال باستهداف الوجود الفلسطيني في المنطقة، إذ تتمادى سلطات الاحتلال بعمليات الطرد للفلسطينيين وتجميعهم على أقل مساحة أرض وإحلال المستوطنين في المكان.
وعلى الرغم من هذه الممارسات والانتهاكات، إلا أن السكان الفلسطينيين، يقول الشرباتي “يخوضون معركة صمود ملحمية ويسكنون الكهوف والخيام، على الرغم من محاصرتهم بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية والطرقات الالتفافية، ومناطق إطلاق النار التي حوّلت حياتهم إلى جحيم خاصة بالمنطقتين 917، و918، حيث يسكن هناك آلاف الفلسطينيين الذين تم بالعام 2000 تهجيرهم بقوة السلاح، لكن عادوا لقراهم على الرغم من قسوة الحياة وممارسات الاحتلال والتدريبات العسكرية التي حوّلتهم إلى رهائن للموت”.
واستذكر منسق لجنة الدفاع عن الخليل قرار المحكمة العليا، من أيار/ مايو 2022، الذي يقضي بتهجير وإخلاء 8 قرى وسكانها من مسافر يطا من أصل 12 قرية حوّلها الاحتلال لثكنات عسكرية، بعد توسيع دائرة التدريبات العسكرية، وحفر الخنادق في المنطقة، وإقامة المزيد من النقاط العسكرية وتكثيف الدوريات الأمنية ومناورات الدبابات.
وأشار إلى أن سلطات الاحتلال امتنعت عن الخوض في تهجير سكان 4 قرى تقع ضمن مناطق إطلاق النار بسبب وجود بؤر استيطانية بالقرب منها، إذ أن إخلاء هذه القرى وطرد سكانها الفلسطينيين، يلزم سلطات الاحتلال بتفكيك البؤر الاستيطانية الموجودة ضمن المنطقة العسكرية، ما يؤكد أن تسميات مناطق إطلاق النار ما هي إلا ذريعة لتهجير الفلسطينيين وسلب أراضيهم وتوظيفها لتوسيع المشروع الاستيطاني.
المصدر: عرب 48