مسرح أم لا مسرح…
يعتبر المسرح أبا الفنون؛ لأنّه يحوي في داخله فنونًا كثيرة كلّها مهمّة لتقديم مسرحيّة ناجحة.
إضافة إلى المسرح والممثّلين هنالك عنصر أساسيّ هو الجمهور المتلقّي للمسرحيّة، فلا قيمة للمسرحيّة ما لم يشاهدها الجمهور، ويعطي رأيه فيها وفي رسالتها.
تطوّر الإخراج كثيرًا، صرنا نشاهد مسرحيّات يشارك فيها الجمهور، ويصبح جزءًا من المسرحيّة، وقد يتحوّل المشاهدون إلى عنصر فاعل ومشارك في المسرحيّة، وكثيرًا ما يهبط ممثّل عن خشبة المسرح ليطوف بين الجمهور، ويتحدّث إلى الناس بتلقائيّة بما يخدم فكرة المسرحيّة، فيلغي الحاجز بين الممثّلين والمشاهدين.
في اليومين الأخيرين تردّدت كثيرًا كلمة مسرحيّة ومسرح، وذلك في وصف حال دولة إقليميّة كبيرة ومهمّة هي إيران، أعلنت أنّها ستردّ على عدوان تعرّضت له من دولة أخرى هي إسرائيل، وقد أخبرت هذه الدولة العالم كلّه بأنّها تستعدّ للانتقام، وأنّه لا مفرّ من الردّ على الصفعة، وذلك حفظًا لماء الوجه، واستعادة لقوّة الردع الّتي تحاول إسرائيل اختراقها! أوضحت إيران هدفها بالضبط، ولم تكذب على أحد، لم تقل إنّها في الطريق لتحرير القدس، ولم تقل أنّها قادمة لفكّ الحصار وفتح المعابر لأهل قطاع غزّة، ولم تقل إنّ جيشها سيمرّ عبر الأردنّ للوصول إلى الأغوار لمواجهة إسرائيل، كان كلّ شيء واضحًا، حتّى إنّها أعلمت الجهات المهمّة، وعلى رأسها أميركا بموعد توجيه الضربة.
رغم كلّ هذا الوضوح في الهدف والتنفيذ، فإنّ العالم الغربيّ أدان إيران، واتّهمها بدفع العالم إلى شفير هاوية حرب إقليميّة، رغم أنّ سياسيّي إيران حسبوها بالملعقة الصغيرة الّتي يقدّم فيها الدواء، فهل نجحوا في هدفهم من ردّهم المدروس والمعلن أم لا؟
الإجابة نعم، نجحوا، وعلى إسرائيل أن تفكّر ألف مرّة قبل الهجوم على أراضي إيران وسيادتها.
الصراع على النفوذ يدار بالعقل والقوّة والذكاء والحسابات الصحيحة، العالم كلّه يعرف، وحتّى أكثر المحلّلين تواضعًا أنّ نتنياهو يحلم بمواجهة عسكريّة شاملة بين إيران وأميركا وأتباعها! وحينئذ سيحقّق أكبر إنجازاته الّتي وعد بها غير مرّة، وهو تدمير قدرات إيران وتحويلها إلى دولة ممزّقة وضعيفة كما حدث للعراق، وسوريا والسودان وليبيا وغيرها.
هنالك من قلّلوا من شأن الردّ الإيرانيّ، رغم أنّه أرغم إسرائيل على تشغيل صافرات الإنذار في حوالي 760 نقطة، ورغم إثبات قدرتها على إصابة أهداف بدقّة من مسافات بعيدة، لا يملكها غير الكبار، وهنالك من يرفض دور إيران في المنطقة من منطلق عداء مذهبي، وليس لأيّ سبب آخر، وهنالك من ينظر إلى الدمار في قطاع غزّة، ويرى بأنّ الردّ ليس كافيًا؛ لأنّه افترض أنّ إيران ستردّ على ما يدور في قطاع غزّة وليس على ما حدث لقنصليّتها في دمشق.
لقد ردّت إيران بما يحفظ لها كرامتها، وفي الوقت ذاته لم تتهوّر ولم تترك ثغرة لتدهور الصراع إلى حرب واسعة في مواجهة دول عظمى مثل أميركا وبريطانيا مدعومة من ألمانيا وفرنسا ودول عربيّة، ومن ثمّ تدميرها كما حدث للعراق.
الفرس معروفون بالسياسة، وذكرهم ابن خلدون بذلك، وبالفعل إنّهم كذلك، يحقّقون أهدافهم بأقلّ ما يمكن من خسائر.
كان أولى بالعرب الّذين شغلوا بقصّة المسرحيّة فضح مسرحيّات حكّام بلدانهم العربيّة، الّذين يصدّرون بيانات حياديّة تمامًا بإزاء مذابح قطاع غزّة وفقط للتغطية على مواقفهم المتواطئة مع جرائم الاحتلال.
ولأصحاب نظريّة المسرح، لا يمكن لإيران وأميركا وإسرائيل تمثيل مسرحيّة بتكلفة مليار دولار أظهرت ضعف إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لولا وقوف أميركا وبريطانيا المباشر معها، ولا يمكن أن تكون مسرحيّة تسقط فيها صواريخ في قاعدة جوّيّة إسرائيليّة قادمة من مسافات بعيدة جدًّا، ولا يمكن أن يكون ما سقط في عمّان الهاشميّة من شظايا صواريخ مجرّد تمثيل لفضح الواقع وحقيقة النظام في الأردنّ. جرت العمليّة على المكشوف، وبأهداف معلنة وبدقّة، وتركت الكرة الآن في الملعب الإسرائيليّ الأميركيّ بالتصعيد أو بالاكتفاء عند هذا الحدّ، هل تردّ إسرائيل على الردّ الإيرانيّ، وتجرّ أميركا إلى مواجهة شاملة مع إيران تلبية لرغبة نتنياهو الّذي يحلم بهذه المواجهة منذ سنين، أم تعترف إسرائيل بأنّها ابنة محميّة لأميركا مثل غيرها من دول المنطقة، وأنّ هناك سقفًا محدودًا لاستقلاليّة قراراتها، وخصوصًا عندما يتعلّق بالحرب والسلّم في المنطقة والعالم.
المصدر: عرب 48