«مسكة» صاحبة «السيرة العطرة».. مسجدها على 8 أعمدة رخامية ويضم مُصلى وضريحا – تحقيقات وملفات
تُعتبر ساحة وجدران مسجد «الست مسكة» فى منطقة الناصرية بحى السيدة زينب بالقاهرة مثالاً بارزاً لدور النساء فى مصر خلال القرن الـ13 الميلادى، وكيف كُن على اختلاف درجاتهن يلعبن دوراً كبيراً فى إدارة شئون البلاد والعباد، وكانت وسيلتهن فى تخليد ذلك الدور هى إطلاق أسمائهن على المساجد والمدارس والبساتين وغيرها.
«الوطن» زارت مسجد الست مسكة الشهير فى السيدة زينب، وتجولت فى أرجائه، حيث إنه مدون أعلى بابه من ناحية سوق الست المسكة بالخط الحنفى «بسم الله الرحمن الرحيم أمرت بإنشاء هذا المسجد المبارك الفقيرة إلى الله الحاجة إلى بيت الله الزائرة قبر رسول الله عليه الصلاة والسلام المعروفة بالست مسكة الناصرية فى شهور 740هـ».
المنبر التاريخى للمسجد مصنوع من خشب الأبنوس ومطعم بالصدف والعاج ومكتوب عليه آية «إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر». ويضم المسجد أروقة من جميع الاتجاهات ويوجد بسوق مسكة القريبة من جامع الشيخ صالح أبى حديد بالخط الحنفى ويتكون من مستطيل يتوسطه صحن مكشوف وتحيط به الجهات وتحتوى القبلة على 3 بوائك تقسمه إلى 3 أروقة وتتكون البوائك الداخلية من أعمدة رخامية تعلوها عقود نصف دائرية، أما البوائك التى تحيط بالصحن من جميع جهاته، فتتكون من دعائم مبنية من الحجر، يعلوها عقود نصف دائرية إلى جانب الزخرفة، وفى الجدار الشمالى والجنوبى للقبلة بداخله فتحات من الزجاج قنديلية الشكل وملونة بألوان زاهية.
أما سقف المسجد الذى يشهد عمليات ترميم حالياً فقد صُنع من الخشب ونُقشت عليه رسومات زيتية شديدة الجمال محمولة على 8 أعمدة رخامية، ويحيط بجدران المسجد من الداخل «آذار خشبى»، وحسب الخطط التوفيقية فإن المسجد نُقشت عليه بالخط المملوكى أبيات من قصيدة «البردة»، رغم عدم وضوحها، ويبدو أنها اختفت بمرور الوقت.
وفى الركن الشمالى الغربى من المسجد يوجد ضريح الست مسكة وأحد أتباعها ويتكون من غرفة مربعة تعلوها قبة تُشبه قبة الإمام الشافعى وقبة الصالح نجم، وهناك مقصورة خشبية وبابان أحدهما بالجهة الغربية، وهو المدخل الرئيسى، والثانى بالجهة الجنوبية، ولا يزال يحتفظ بالكتابات التى نُقشت عليه منذ إنشائها، كما يحيط بالجامع من الخارج شريط حجرى منقوش عليه آيات من «سورة يس».
المسجد يخلّد مسيرة الست مسكة التى أمرت بإنشائه وإطلاق اسمها عليه عام 740هـ. وتبدأ قصة المسجد من شارع بورسعيد أمام المدرسة الخديوية وموقعها القديم من غرب الخليج المصرى، إذ يقع بالقرب من قنطرة «آق سنقر» على الخليج الكبير ومكان هذه القنطرة الآن فى شارع بورسعيد «الخليج سابقاً» ومحطة ترام سنقر، التى تصل بين شارع بورسعيد والحلمية من جهة، وبينه وبين حى الحنفى فى السيدة زينب من جهة أخرى، ومنشئ القنطرة هو الأمير شمس الدين، وهو كبير مهندسى السلطان الناصر محمد بن قلاوون. ويعود تاريخ بناء المسجد إلى عام 1339م، ويُنسب إلى مربية السلطان الناصر محمد بن قلاوون «الست مسكة»، التى كانت ملء السمع والبصر وواحدة من أشهر النساء فى العصر المملوكى، وكونها مربية السلطان ومرضعته كانت أيضاً صندوق أسراره، خاصة فى تلك الفترة التى كان الصراع على الحكم فيها قد بلغ أعلى درجاته بين سلاطين المماليك.
ووفقاً لما جاء فى «الخطط التوفيقية» فإن المسجد أقيم بداخل السوق التى كان تُنصب فى تلك المنطقة، وتحمل أيضاً اسم مُرضعة السلطان، وجاء موضع بنائه قُرب مسجد آخر يحمل اسم «الشيخ صالح أبى حديد»، ويقول المقريزى إن أول جمعة أقيمت فى المسجد بعد إتمام بنائه كانت فى اليوم العاشر من شهر جمادى الآخرة عام 741هـ.
ويرجح عدد من الباحثين أن تلك الأرض المحيطة بحى السيدة زينب والمعروفة باسم «الناصرية» تعود ملكيتها إلى «الست مسكة»، فقد حصلت على المساحة من الأرض من السلطان، بغرض إعمارها وزراعتها، فكان المسجد هو أول ما أمرت بإنشائه فى تلك المنطقة وحثّت الناس على التعاون معها فى إعمارها، ولم تمضِ سوى سنوات قليلة، حتى بُنيت فيها البيوت وأقيمت بداخلها أسواق وحمامات، ما أثلج صدر السلطان الناصر، فزاد من رعايته لها.
المصدر: اخبار الوطن