مغامرة ومقامرة نتنياهو الكارثيّة!
استغلّت حكومة الاحتلال ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي كمنصّة للقفز عليها لتعميق وتسريع ما بدأت به من قبل وهو تصفية القضيّة الفلسطينيّة، واتّخذت الإبادة والتهجير وسيلة، حتّى أنّها تخلّت عن الرهائن والأسرى الإسرائيليّين، لأنّ تحريرهم في صفقة، يعني وقف إطلاق النار الّذي ترفضه حكومة نتنياهو، فهي تراها فرصة لن تتكرّر، ويجب المضيّ فيها حتّى النهاية، وهذا يشمل قطاع غزّة، وكذلك الضفّة الغربيّة فيما إذا حاولت مقاومة المشروع بصورة مسلّحة، كذلك فهي تريد تصفية الحساب مع حزب اللّه، الّذي بات مصدر تهديد عسكريّ، وأخيرًا تقليم أظافر إيران وقدراتها العسكريّة، وهي محاولات بدأت قبل السابع من أكتوبر الماضي بكثير، جرت من خلال الاغتيالات وهجمات السايبر التخريبيّة، وتأليب المعارضة في إيران على النظام، واستغلال النعرات المذهبيّة في المنطقة.
لا يستطيع نتنياهو إلّا أن يردّ على الهجمة الإيرانيّة الصاروخيّة الأخيرة، الّتي أتت كانتقام ورد اعتبار بعد اغتيال الشهيد إسماعيل هنّيّة على أرضها، وبعد سلسلة من الاغتيالات طالت السيّد حسن نصر اللّه الّذي تعتبره أقوى أذرعها في المنطقة.
يحظى نتنياهو بشرعيّة الردّ من أميركا، إلّا أنّ أميركا تطلب منه ردًّا محسوبًا جيّدًا، بحيث لا يؤدّي إلى ردّ فعل إيرانيّ واسع يجرّ الطرفين إلى حرب شاملة، تتورّط أميركا فيها رغم أنفها، في توقيت لا تريده، ولأنّ طريقتها في كبح جماح تسلّح إيران، ليست في الحرب المباشرة، بل من خلال الحصار والتضييق والعقوبات والنفس الطويل والاتّفاقيّات، وذلك تجنّبًا لمواجهة عسكريّة مباشرة، قد تؤدّي إلى نتائج عكسيّة، اقتصاديّة أوّلًا، وذلك بما يتعلّق بأزمة بترول محتملة، بل شبه أكيدة، في حالة نشوب حرب مع إيران، إضافة إلى قناعة أميركا بأنّ إلغاء الاتّفاق السابق مع إيران حول مشروعها النوويّ الّذي بادر إليه دونالد ترامب في فترة رئاسته، هو بالذات أدّى إلى تسارع برنامجها النوويّ، وقد بات من غير رقابة، وقد تؤدّي حرب شاملة إلى أن تسرع إيران في إنتاج قنبلتها النوويّة، لأنّ التقديرات الغربيّة تتوقّع بأنّها ليست بعيدة عن هذا.
إدارة أميركا لا ترى أنّ مصلحة إسرائيل دخول حرب شاملة مع إيران، وذلك لحرصها الحقيقيّ على أمن إسرائيل، ولأنّها تعرف جيّدًا قدرات إيران التدميريّة، وتعرف أنّ ردًّا إيرانيًّا على هجوم إسرائيليّ سيجرّ أميركا إلى حرب شاملة لا تريدها، وذلك من منطق الخسائر الاقتصاديّة المحتملة نتيجة أزمة بتروليّة سوف تسبّبها الحرب، وهذا يهدّد مرشّحة الديمقراطيّين بخسارة الانتخابات الرئاسيّة القريبة في الشهر القادم، لأنّ ما يهمّ المواطن الأميركي هو الجانب الاقتصاديّ أوّلًا.
من جهته يصرّ نتنياهو على دفع أميركا وإيران إلى المواجهة الشاملة، لأنّه لا يستطيع محاربة إيران لوحده، لأنّها ستكون حربًا طويلة ثمنها باهظ، وتسبّب دمارًا واسعًا لكلّ الأطراف بما في ذلك إسرائيل، وخصوصًا بعدما أثبتت إيران قدراتها الصاروخيّة على إصابة المناطق الأكثر حساسيّة في إسرائيل.
بهذا يضع نتنياهو إدارة بايدن أمام أمرين، إمّا الدخول معه في حرب لتدمير قدرات إيران النوويّة والصاروخيّة، أو الاكتفاء بدور الداعم والمدافع الّذي لعبته حتّى الآن.
يعتقد نتنياهو أنّه رابح في الحالتين، إمّا مشاركة كاملة أميركيّة في الحرب وهو أمر يضمن في تصوّره قطف رأس إيران، وتغيير ملامح الشرق الأوسط كما يقول، أو عدم مشاركة وحث اللوبي الصهيونيّ على إسقاط كاميلا هاريس أمام ترامب الّذي يهدّد ويتوعّد بتدمير إيران، في حال وصوله السلطة، في الحالتين يعتبر نتنياهو نفسه رابحًا.
لا شكّ في أنّ لدى إسرائيل قدرات عسكريّة متقدّمة جدًّا، وهي قادرة على ضرب مواقع كثيرة حسّاسة جدًّا في إيران، بما في ذلك المواقع النوويّة ومحطّات الطاقة ومراكز وقواعد عسكريّة، ولكن ضربها لا يعني نجاحها حتّى النهاية، لأنّ مساحة إيران الهائلة الّتي تبلغ مليون وستّمئة وثمانية وأربعين كيلو متر مربّع، وتوزيع قدراتها الصاروخيّة في مناطق كثيرة محصّنة تحت الجبال، تكفل لها الاحتفاظ بالقدرة على ردّ قويّ أضعاف ما جرى قبل أيّام، ويمكن أن يستمرّ على مدار أيّام المواجهة.
مشكلة إسرائيل في هذا هي المساحة الصغيرة نسبيًّا، والتمركز السكّانيّ والصناعيّ في مناطق محدودة، الأمر الّذي يعني أنّ بضع ضربات إيرانيّة ناجحة، ستجبي ثمنًا باهظًا، وإذا استمرّت المواجهة لأسابيع أو أشهر، فإنّ هذا سيكون كارثة، لأنّه قد تضع إسرائيل أمام خيار استعمال السلاح النوويّ لحسم الحرب، وهذا الخيار، لا يقلّ كارثيّة على إسرائيل منه على إيران، فمن يعلم إذا ما كانت إيران قادرة خلال فترة وجيزة من بدء المواجهة على إنتاج قنبلتها النوويّة! وهذا يعني أنّ نتنياهو يدخل المنطقة وشعوب المنطقة إلى مقامرة ومغامرة كارثيّة.
المصدر: عرب 48