منشورات فوق رفح…
دأبت سلطات الاحتلال دائمًا وأبدًا على تجريم ضحايا احتلالها وأطماعها وجرائمها، وسعت إلى الضّغط على الضحية، حتى توصلها إلى نقطة من الألم، تعلن فيها أنّ ما يصيبها من كرَبٍ وسوء وتنكيل، هو بسبب سوء تصرّفها هي، أو سوء تصرّف القائمين عليها، وليس بسبب الاحتلال.
تابعوا تطبيق “عرب ٤٨”… سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات
وقد اتّخذ البعضُ من هذه المعادلة المقلوبة، أسلوب تفكير سياسيٍ، ينطلق من فرضيات مغلوطة، تضع الضحية في قفص الاتّهام، وهذا ليس جديدًا.
منذ صدور قرار تقسيم فلسطين عام 1947 الذي كان من الطبيعي أن يرفضه صاحب الوطن والأرض، هنالك من حمّل الفلسطينيين والعرب مسؤولية حدوث النّكبة وضياع الجزء المخصص لدولة فلسطين، لرفضهم تقسيم وطنهم، والغريب أنّ البعض ما زال يتاجر بهذا الوهم ويبيعه، بهذه الصيغة “لو وافق العرب على قرار التقسيم لما وصلنا إلى هنا”، رغم آلاف البراهين التي جاءت من بعد النكبة وما زالت تتواتر، لتثبت أن أطماع الحركة الصهيونية ومن يدعمها من المسيحية الصهيونية العالمية، لم تتوقّف عند حدود التقسيم عام 1947 ولا عند حدود الهدنة عام 1948، ولا عند حدود الخامس من حزيران 1967، ولا عند اتفاقات أوسلو الموقّعة عام 1993.
صحيح أن الضّحية ليست حمَلا بريئًا ولا ينبغي لها أن تكون كذلك، وقد لا تكون على قدر كافٍ من الذكاء ومن تقدير الموقف بدقّة، أو تقدير نتائج عمل ما تقوم به، ولكن هذا لا يعني تفهّم وتبرير ما يرتكبه الاحتلال من جرائم وصلت إلى درجة الإبادة الجماعية.
لقد بلغ الأمر ببعض أصحاب النّظرية التبريرية، إلى رؤية إطلاق القذائف الأخيرة على كرم أبو سالم تبريرًا يشجّع الاحتلال على اجتياح رفح، وذريعة لنتنياهو في عدم التوصُّل إلى صفقة وقف إطلاق للنار! وكأن نتنياهو كان على وشك الموافقة على وقف الحرب فجاءته الحجّة لعدم وقفها.
حكومة نتنياهو رفضت وما زالت ترفض أي مبادرة تؤدي إلى وقف للحرب، ولا تحتاج إلى مبرّرات لعدوانيتها التي صارت مكشوفة عالميًا، ومن العار على بعض العرب أن يستمروا بالتحليلات التبريرية للهمجية التي يمارسها الاحتلال، سواءً كانوا من الفلسطينيين أو من الإعلاميين العرب الذين يستسهلون تحميل الضّحية المسؤولية عما يجري لها، وذلك نفاقًا لأنظمتهم التي تشجعهم على التنظير لرؤيتهم المشوِّهة، التي تبرّر أيضًا للأنظمة مواقفها المتواطئة مع الاحتلال وجرائمه.
لا تتوقف المناشير الملقاة من الطائرات الداعية إلى النزوح منذ نكبة العام 1948، فلا تمضي بضع سنوات حتى تبدأ حملة عسكرية جديدة، وتعود المنشورات التي تطالب السّكان بالنزوح وإلا فالموت بانتظارهم، بمعنى آخر، فالاحتلال يمارس احتلاله وجرائمه بتغطية “قانونية”، بحجّة أنّه أعلم السّكان بضرورة النّزوح، بينما يرى ويعرف الجميع أن النّزوح في الظروف المأساوية إلى مناطق جديدة غير مهيّأة أساسًا لاستيعاب نازحين، هي جريمة حرب تضاف إلى الجرائم السّابقة.
إلى جانب هذا، هنالك شريحة في كل شعب، جاهزة للعب دور الداعم للاحتلال في مسعاه لتشويه صورة الضحايا وتحميلهم المسؤولية.
هنالك تجار فاسدون يستغلون النّاس في قطاع غزة، وهؤلاء بعض أغنياء الحرب، ما أن سمعوا عن المناشير التي ألقتها الطائرات على سكان شرق رفح حتى أخفوا بضائعهم وتوقّفوا عن البيع والشراء، وصارت الناس تطلب الغرض فلا تجده، وذلك أن هؤلاء ينتظرون ارتفاع الأسعار إذا ما بدأ الهجوم البرّي! كذلك بسبب تعثر دخول المساعدات الإنسانية، وهذا تصرفٌ غير أخلاقي ولا ديني ولا وطني، بل وعدائي للشّعب يصل إلى درجة الخيانة، فهو داعم في المحصلة لما يخطط له الاحتلال من فوضى وغلاء وإفقار وتيئيس وتشكيك، ومن ثمّ تعميم فكرة الرّحيل والهجرة.
إضافة إلى هذا فهناك عمولات الصِّرافة التي وصلت إلى أرقام خيالية من الرّبا الفاحش المحرّم دينيًا، حيث صار الصرافون يتقاسمون المال مع مستحقّيه الذين يريدون سحبه لقضاء حوائجهم، مستغلين الوضع الخاص الذي تمرُّ به البنوك وأزمة السّيولة النّقدية وتخريب أكثر الصرّافات الآلية، واضطرار الناس للوقوف ساعات في طوابير، يصب هؤلاء الصرّافون الجشعون في مصلحة الاحتلال وخدمته.
لم يولد الاحتلال اليوم، وممارساته قديمة وعلى درجات مختلفة من التصعيد، وهو أساس البلاء لمعاناة الشّعبين، وفي الأساس لمعاناة شعبنا الضّحية، الذي حُرم من تقرير مصيره ومن دولته المفترضة المستقلة التي أقرّتها الشرعية الدولية منذ العام 1947.
اقرأ/ي أيضًا | تساؤلات حول الجائزة و”قناع بلون السماء”
المصدر: عرب 48