Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

من اختراع الديناميت إلى أهمّ جائزة علميّة مرموقة

مع ازدياد الاهتمام بالجائزة وتطوّر وسائل التواصل أصبح حفل توزيع الجوائز حدثًا عالميًّا يتابعه الكثيرون، بعد أن كان في البداية حفل يقتصر على المدعوّين فقط…

مع الانتهاء من الإعلان عن جوائز نوبل في السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر، والذي استمرّ حتّى منتصف الشهر، اتّضحت نتائج أبرز الانشغالات العلميّة في السنوات الماضية. الجائزة الّتي تعدّ من أكثر الجوائز المرموقة عالميًّا، وتقدّم تكريمًا للمساهمات الكبيرة للإنسانيّة، قدّمت في مجال الطبّ إلى العالميّين الأميركيّين فيكتور إمبروس وغاري روفكون لعملهما في اكتشاف microRNAs وهو اسم عائلة من الجزيئات الّتي تساعد الخلايا على التحكّم في أنواع وكمّيّات البروتينات الّتي تنتجها، أي أنّ الخلايا تستخدم microRNA للمساعدة في التحكّم في “التعبير الجينيّ” وتنظيم الجينات. وتوجد جزيئات microRNA في الخلايا، وفي مجرى الدم، وتؤثّر على عمليّات حيويّة مثل السرطان والأمراض القلبيّة الوعائيّة، وبدأت أبحاث العالمين في أوائل التسعينات، وأحدثت تحوّلًا كبيرًا في فهم السلوك الخلويّ.

وعن فئة الفيزياء ذهبت الجائزة إلى العالم الأمريكيّ جون جي هوبفيلد والعالم البريطانيّ – الكنديّ جيفري هينتون لعملهما الرائد في مجال التعلّم الآليّ. عمل العالمان على دمج الفيزياء الإحصائيّة مع الشبكات العصبيّة الاصطناعيّة؛ ممّا أسهم بشكل كبير في تطوير التعليم الآليّ والذكاء الاصطناعيّ مع تطبيقات متعدّدة في التعرّف على الأنماط عبر مجموعات البيانات الضخمة. وفي الكيمياء فاز كلّ من ديفيد بيكر وديميس هاسابيس وجون جومبر لأبحاثهم حول إنشاء بروتينات جديدة باستخدام الذكاء الاصطناعيّ، بما في ذلك نموذج AlphaFold2، الّذي ساعد في التنبّؤ بهياكل أكثر من 200 مليون بروتين.

أمّا عن فئة الأدب، فقد فازت الكاتبة الكوريّة الجنوبيّة هان كانغ الّتي تناولت في أعمالها التوتّرات بين الجسد والروح والحياة والموت بأسلوب شعريّ وتجريبيّ. حصلت هان كانج على جائزة نوبل في الأدب يوم الخميس عن “نثرها الشعريّ المكثّف” الّذي يركّز على “الصدمات التاريخيّة” والعنف الاستعماريّ و”هشاشة” البشريّة، وفقًا لبيان صحفيّ صادر عن الأكاديميّة الملكيّة السويديّة.

وتشتهر الكاتبة الكوريّة الجنوبيّة بأعمال مثل The Vegetarian – الّتي فازت بجائزة مان بوكر الدوليّة في عام 2016 – The White Book و Human Acts و Greek Lessons. كانت كانج، البالغة من العمر 53 عامًا، كاتبة لأكثر من 30 عامًا، لكنّ The Vegetarian كانت أوّل رواية لها ترجمت إلى الإنجليزيّة في عام 2015، وحصلت على اهتمام دوليّ واستحسان واسع النطاق من القرّاء.

أمّا عن فئة السلام وهي تعدّ من أشهر الجوائز عالميًّا، منحت الجائزة لعام 2024 إلى “نيهون هيدانكيو”، وهي مجموعة يابانيّة تمثّل الناجين من قصف هيروشيما وناجازاكي، وذلك لتسليطهم الضوء على العواقب الإنسانيّة للحرب النوويّة، كما فازت المنظّمة اليابانيّة بالجائزة، وقد اختارتها لجنة نوبل النرويجيّة، وذلك لجهودها في تصوّر “عالم خال من الأسلحة النوويّة” وتحقيقه من خلال رفع أصوات الناجين من القنبلتين الذرّيّتين في هيروشيما وناجازاكي. وقالت اللجنة في بيان صحفيّ: “يساعدنا الهيباكوشا على وصف ما لا يمكن وصفه والتفكير في ما لا يمكن تصوّره وفهم الألم والمعاناة غير المفهومين اللّذين تسبّبها الأسلحة النوويّة بطريقة أو بأخرى”.

تاريخ الجائزة: البداية من ألفريد نوبل

أسّس الجائزة العالم السويديّ ألفريد نوبل في وصيّته عام 1895 وكان الهدف من خلالها تكريم الأفراد الّذين يقدّمون “فائدة عظيمة للبشريّة”. نوبل، الّذي ولد في العاصمة السويديّة ستوكهولم في عام 1833 كان مهندسًا وكيميائيًّا ومخترعًا ويعدّ الديناميت أشهر اختراعاته.

ألفريد نوبل

أحدث الديناميت تأثيرات كبيرة في عالم الصناعات والصناعات الحربيّة بشكل أساسيّ في وقت لاحق، ولكنّ ذلك الاختراع واستخداماته في الصناعات العسكريّة والحربيّة سبّب الكثير من القلق للعالم السويديّ، وترجم ذلك القلق لاحقًا إلى جائزة نوبل عن طريق تخصيص العالم السويديّ الجزء الأكبر من ثروته لإنشاء جوائز تقدّم للّذين يقدّمون إسهامات هامّة في مجالات رئيسيّة مثل الفيزياء والسلام والأدب والطبّ والكيمياء.

وتعدّ وصيّة العالم السويديّ الوثيقة الّتي أدّت بشكل مباشر إلى تأسيس الجائزة. وكتب نوبل وصيته في باريس في تشرين الثاني/نوفمبر 1895 قبل وفاته بسنة، أعلن فيها أن ينوي تخصيص الجزء الأكبر من ثروته لمن يقدّم “إسهامات استثنائيّة للبشريّة”. وكان الهدف تغيير الصورة السلبيّة الّتي ارتبطت به بسبب استخدامات الديناميت للأغراض العسكريّة. ومنذ تأسيسها مرّت الجائزة بالعديد من التغييرات والتطوّرات الّتي ساهمت في تعزيز مكانتها كواحدة من أكثر الجوائز المرموقة في العالم. وتقدّم الجائزة مكافأة ماليّة تقدّر في العام 2024 بـ 11 مليون كرونة سويديّة أي ما يعادل 1.1 مليون دولار أميركيّ لكلّ فائز.

التغييرات والتوسّع خلال العقود الماضية

في كانون الأوّل/ديسمبر 1901 بعد خمس سنوات من وفاة العالم السويديّ تمّ منح أوّل جائزة نوبل. أوّل الفائزين في مجال الفيزياء كان الألمانيّ فيلهلم كونراد رونتغن لاكتشافه الأشعّة السينيّة “أشعّة رونتغن”، وهو اكتشاف ثوريّ أدّى إلى تطوّرات كبيرة في الطبّ، وفي الكيمياء فاز الهولنديّ ياكوبوس فانت هوف لمساهمته في قوانين الديناميكا الكيميائيّة والتناضح “الأسموزيّة”، وفي الطبّ فاز الألمانيّ إميل فون بهرنغ لاكتشافه مضادّات السموم، الّتي ساهمت بشكل كبير في تطوير علاج الدفتيريا، وهو مرض قاتل في ذلك الوقت. أمّا في الأدب حصل عليها الشاعر والكاتب الفرنسيّ سولي برودوم، تكريمًا لأعماله الأدبيّة. وحصل هنري دونان، مؤسّس الصليب الأحمر، وفريدريك باسي، الاقتصاديّ الفرنسيّ والناشط من أجل السلام، على الجائزة المرموقة عن فئة السلام تكريمًا لجهودهما في تعزيز السلام والإنسانيّة.

منذ ذلك الحين، أصبحت جوائز نوبل واحدة من أرقى الجوائز العالميّة الّتي تمنح للأشخاص والمنظّمات، ولكنّ الجائزة شهدت الكثير من التغيّرات على مرّ العقود، وكان أبرزها التوسّع في المجالات الّتي تمنح فيها الجائزة. في البداية اقتصرت المجالات على تلك الّتي وضعها الفريد نوبل في وصيّته، ولكن مع تطوّر العلوم الإنسانيّة وظهور مجالات علميّة جديدة ازدادت الحاجة إلى الاعتراف بتلك الإسهامات، وبالرغم من الاحتفاظ بالفئات الأساسيّة للجائزة، إلّا أنّ البنك المركزيّ السويديّ بادر باستحداث جائزة جديدة في الاقتصاد عام 1968، وتعرف تلك الجائزة اليوم بجائزة البنك المركزيّ السويديّ في العلوم الاقتصاديّة في ذكرى ألفريد نوبل.

ويعدّ العالمان يان تينبرغن من هولندا وراغنار فريش من النرويج أوّل الفائزين بالجائزة تقديرًا لأبحاثهما الرائدة في الاقتصاد الكمّيّ، وخاصّة لتطويرهما نماذج اقتصاديّة رياضيّة ساعدت في تحسين فهم التفاعلات الاقتصاديّة، ويعدّ راغنار فريش أحد المؤسّسين لعلم الاقتصاد القياسيّ، بينما ساهم يان تينبرغن بشكل كبير في تطوير نماذج تخطيط السياسات الاقتصاديّة على المستوى الوطنيّ، ممّا أثّر في وضع السياسات الاقتصاديّة الدوليّة.

وفي مجال شروط الترشّح والفوز تطوّرت قواعد الجائزة أيضًا، ففي البداية كانت القواعد بسيطة للغاية، وكان هناك تركيز أساسيّ على إنجازات المترشّحين خلال حياتهم، ولكن مع مرور الوقت ازدادت المعايير. أمّا لجان التحكيم، فأصبح من الضروريّ بالنسبة لها النظر إلى تأثير تلك الإنجازات على المدى البعيد. فأصبح نظام الترشيحات معقّدًا أكثر وأشدّ صرامة حيث لا يمكن لأيّ فرد أن يرشّح أيّ فرد ليحصل على الجائزة، وأصبح هناك لجان خاصّة تقوم بعمليّة الترشيح والتقييم للمرشّحين، وتتكوّن تلك اللجان من خبراء ومتخصّصين في كلّ مجال من المجالات.

وتعدّ التغيّرات في التوجّه نحو تنوّع جغرافيّ أوسع من أهمّ التغييرات الّتي حصلت للجائزة. يشير الخبراء إلى أنّ الجائزة في سنواتها الأولى حصل عليها علماء من أوروبا وأميركا الشماليّة، وكان ذلك يعكس تركيز المؤسّسات الأكاديميّة والبحثيّة الكبيرة على تلك المناطق، بالإضافة إلى التحيّزات الثقافيّة الّتي كانت موجودة، ولكن مع مرور الزمن بدأت اللجان بإدراك أهمّيّة التنوّع الجغرافيّ والتمثيل لمختلف الثقافات في الجائزة. اليوم نرى فائزين من مختلف أنحاء العالم مثل أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينيّة.

الاعتراف بأهمّيّة العمل الجماعيّ كانت من التغييرات الّتي اجتاحت الجائزة؛ غفي البداية كانت الجوائز تمنح بشكل أساسيّ للأفراد وإنجازاتهم الشخصيّة، ولكن مع تطوّر العلوم وظهور الأبحاث متعدّدة التخصّصات، أصبح من الواضح أنّ الإنجازات العمليّة الحديثة تعتمد على جهود جماعيّة أكثر من فرديّة، فأصبحت الجائزة تقدّم إلى فرق من عدّة أشخاص خاصّة في مجالات الفيزياء والكيمياء.

ومع ازدياد الاهتمام بالجائزة وتطوّر وسائل التواصل أصبح حفل توزيع الجوائز حدثًا عالميًّا يتابعه الكثيرون، بعد أن كان في البداية حفل يقتصر على المدعوّين فقط، أمّا اليوم، فيمكن للجميع مشاهدة الحفل بشكل مباشر، كما ساهمت التكنولوجيا في تعزيز مفاهيم الشفّافيّة حيث يمكن للجميع من علماء وأكاديميّين من جميع أنحاء العالم متابعة الترشيحات والإسهامات العلميّة بسهولة.

وفي العقود الأخيرة اتّسع نطاق الجائزة أكثر ليشمل قضايا عالميّة ملحّة مثل التغيّر المناخيّ والفقر وحقوق الإنسان، فشهدت الجائزة بشكل خاصّ تحوّلات كبيرة، إذ توقّف التركيز المحصور على الّذين يعملون على إنهاء الحروب والنزاعات المسلّحة، بل امتدّ إلى حلّ المشكلات العالميّة الّتي تؤثّر على البشريّة مثل مكافحة الفقر وحماية البيئة وقضايا المساواة وحقوق المرأة.

التحدّيات والنقد

لم تسلم من النقد، ولا تزال تواجه تحدّيات مختلفة، وتبقى تساؤلات مثل تركيز الجوائز في بعض المجالات أكثر من غيرها من أهمّ الأسئلة المتعلّقة بالجائزة، حيث يرى البعض أنّ العلوم الإنسانيّة لا تحظى بالاهتمام الكافي مقارنة بالعلوم الطبيعيّة مثل الفيزياء. ومع استمرار العالم بالتغيّر بشكل يوميّ من المتوقّع أن تتكيّف الجائزة مع تلك التغيّرات، مثل بروز علوم جديدة ومجالات ابتكار حديثة مثل التكنولوجيا الحيويّة.

ويعدّ أحد أهمّ الانتقادات للجائزة أنّ عمليّة التحكيم قد تكون غير عادلة أو متحيّزة في بعض الأحيان، خاصّة فيما يتعلّق في جائزة السلام، ففي العقود الأخيرة تمّ توجيه انتقادات شديدة لاختيار بعض الفائزين بالجائزة، رغم أنّ البعض كانت إنجازاتهم غير كافية لتحقيق السلام، أو أنّ تلك الإنجازات كانت ذات أثر محدود جدًّا.

ويعدّ فوز الرئيس الأميركيّ السابق باراك أوباما بجائزة نوبل للسلام في عام 2009 من أهمّ القرارات الّتي أثارت الكثير من الجدل، فقد حصل الرئيس الأميركيّ على الجائزة بعد فترة قصيرة من دخوله إلى البيت الأبيض واستندت اللجنة في قرارها حينها إلى “جهود أوباما لتعزيز الدبلوماسيّة الدوليّة والتعاون بين الشعوب”.

الرئيس الأميركيّ السابق باراك أوباما

العديد من الجهات رأت أنّ أوباما لم يكن قد حقّق بعد أيّ إنجازات ملموسة في السلام العالميّ تبرّر حصوله على الجائزة، ويشير الخبراء إلى أنّ الحادثة تشير إلى استناد الجائزة أحيانًا إلى أهداف سياسيّة أو رمزيّة. الولايات المتّحدة في حينها كانت لا تزال منخرطة في حرب في أفغانستان والعراق مثلًا. ويشير الخبراء إلى أنّ الجائزة منحت بناء على توقّعات مستقبليّة بدلًا من إنجازات فعليّة. صحيفة نيويورك تايمز علّقت على منح الجائزة للرئيس الأميركيّ بأنّها “رهان على الأمل أكثر من الإنجازات” وقالت صحيفة واشنطن بوست إنّ الجائزة كانت “سابقة لأوانها”، إذ كان أوباما لا يزال قائدًا لحربين في العراق وأفغانستان وقت منحه الجائزة!

خلال فترة إدارة الرئيس باراك أوباما، استمرّت الحروب في كلّ من أفغانستان والعراق، ممّا أدّى إلى وقوع العديد من الضحايا، وفي تلك الفترة، كانت القوّات الأميركيّة تنفّذ عمليّات عسكريّة مباشرة، بالإضافة إلى الهجمات بالطائرات بدون طيّار “الدرون” في مناطق أخرى مثل باكستان واليمن، ووصل عدد الضحايا خلال تلك الفترة حسب تقديرات مشروع تكاليف الحرب الّذي تديره جامعة براون حوالي 26 ألف مدنيّ أفغانيّ بالإضافة إلى 12 ألف من القوّات الأفغانيّة و2500 جنديّ أميركيّ، وفي العراق كان عدد الضحايا حوالي 60 ألف مدنيّ عراقيّ، وتسبّبت الهجمات بدون طيّار الّتي ارتفعت بشكل كبير جدًّا في فترة أوباما إلى قتل حوالي 4 آلاف شخص منهم مدنيّون.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *