من نظريّة الحدّ إلى المنطق الغائم”
يمثل هذا الكتاب مرجعًا قيمًا للباحثين في المنطق والفلسفة؛ إذ يقدم المؤلف خلاصة مركزة عن أهمية المنطق الغائم في تجاوز القيود التقليدية للمنطق الكلاسيكي، وتقديم نماذج أكثر شمولية ومرونة لفهم العالم…
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب منطق الغموض: من نظرية الحد إلى المنطق الغائم من تأليف محمد الشقيف. يُعد الكتاب إضافة قيّمة في مجال علم المنطق؛ إذ يستعرض في فصوله الثلاثة النقد الذي وجهه المناطقة المحْدَثون إلى منطق أرسطو، الذي لطالما احتل مكانة رفيعة في الفكر الفلسفي، مسلطين الضوء على إشكالية “الغموض” وعقيدة التحديد التي تقوم عليها نظريته. يطرح الكتاب حلولًا علمية لهذه الإشكالية من خلال ما يُعرف بـ “المنطق الغائم” بوصفه نهجًا جديدًا يوسع حدود التفكير المنطقي التقليدي. يحتوي الكتاب على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، ويقع في 432 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.
الغموض في التراث المنطقي: بين النقد والتطور
يستعرض المؤلف في الفصل الأول من الكتاب مشكلة الغموض التي أثارت جدلًا واسعًا في تاريخ المنطق. ويحلل كيف اعتُبر المنطق الأرسطي، لقرون طويلة، إطارًا مثاليًا لفهم العالم؛ إذ اعتمد على مبدأ “الثنائية القطبية” الذي يفرز العالم إلى حقائق مطلقة أو أخطاء مطلقة. ومع ذلك، يظهر المؤلف كيف كشف تطور الفكر المنطقي عن قصور هذا النموذج في التعامل مع قضايا أكثر تعقيدًا مثل الغموض والتدرج.
يستعرض الفصل إسهامات المناطقة المحدثين الذين أشاروا إلى ضرورة تجاوز الحدود التقليدية للمنطق الأرسطي، بسبب عقيدة “التحديد” التي تحكمه، والتي تعجز عن تمثيل الظواهر المعقدة التي تتسم بدرجات من الحقيقة أو الغموض. ويناقش الفصل التحولات الكبرى التي شهدها علم المنطق، بداية من ظهور المنطق متعدد القيم في القرن العشرين، وصولًا إلى بروز نظريات مثل المنطق الغائم الذي يستوعب التدرجات بين الصواب والخطأ.
القول الغامض: نحو رؤية منطقية جديدة
يبحث الفصل الثاني من الكتاب في الأهمية الفلسفية والمنطقية للغموض، متتبعًا كيف يمكن أن يمثل القول الغامض تحديًا للمنطق التقليدي، ومقدمًا مقاربة معمقة لمفهوم الغموض، ويوضح كيف برزت الحاجة إلى إعادة النظر في القواعد التقليدية للمنطق لإيجاد حلول جديدة وفعالة. وكذلك يركز على المنطق الثلاثي القيم الذي اقترحه جان لوكاسيفيتش، الذي يقدم بُعدًا جديدًا من الحقيقة إلى جانب القيمتين التقليديتين.
ثم ينتقل المؤلف إلى دراسة المنطق الغائم باعتباره تطورًا نوعيًا يعالج الظواهر الغامضة بطريقة أكثر واقعية. ويشرح كيف يعتمد المنطق الغائم على النمذجة الرياضية التي تتيح تقسيم الحقيقة إلى درجات نسبية؛ ما يجعل هذا المنطق أكثر قدرة على التعامل مع المشكلات المعقدة في الحياة الواقعية. ويعرض الفصل أمثلة تطبيقية على كيفية التعامل مع الغموض في مجالات مثل اللغة والقرارات؛ ما يعكس مرونة المنطق الغائم.
المنطق الغائم: النظرية والتطبيق
يُركز الفصل الثالث على المنطق الغائم باعتباره نموذجًا نظريًا وتطبيقيًا، وذلك من خلال شرح الأصول النظرية لهذا المنطق، وتبيان كيف تطور بوصفه امتدادًا للمنطق متعدد القيم، ثم عرض التطبيقات العملية له في مجالات مختلفة. ومن خلال أمثلة تفصيلية، يوضح الفصل كيف يمكن استخدام المنطق الغائم في الذكاء الاصطناعي لمعالجة البيانات الغامضة والمعقدة، وفي تصميم أنظمة دعم اتخاذ القرار، وفي الهندسة الصناعية.
يشير الفصل أيضًا إلى الاستخدامات العملية للمنطق الغائم في الطب، حيث يُستخدم في تحليل الحالات الطبية ذات التقييمات الغامضة، وفي الهندسة حيث يجري تطبيقه لتحسين أنظمة التحكم الآلي. من خلال استعراض هذه التطبيقات، يُظهر المؤلف أن المنطق الغائم ليس نظرية رياضية فحسب، بل أداة عملية تقدم حلولًا مبتكرة للعديد من التحديات.
يمثل هذا الكتاب مرجعًا قيمًا للباحثين في المنطق والفلسفة؛ إذ يقدم المؤلف خلاصة مركزة عن أهمية المنطق الغائم في تجاوز القيود التقليدية للمنطق الكلاسيكي، وتقديم نماذج أكثر شمولية ومرونة لفهم العالم؛ ما يحتاج من الباحثين إلى مزيد من التعمق في دراسته وتطبيقاته.
المصدر: عرب 48