مهند مصطفى: خطة ترامب لتهجير غزة لباس رأسمالي لخطة استعمارية من منطلقات إيديولوجية

أثارت خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة جدلا واسعا في العالم، واعتبرها الفلسطينيون والعرب محاولة لتكريس التطهير العرقي على أساس قومي.
تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"… سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات
حول خطة ترامب، والموقف العربي والفلسطيني، أجرى "عرب 48" الحوار التالي مع الخبير في الشؤون الإسرائيلية والمحلل السياسي، د. مهند مصطفى، من مدينة أم الفحم:
"عرب 48": كيف تنظر إلى فكرة تهجير أهالي غزة في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهل هناك سوابق تاريخية لمثل هذه الطروحات؟
مصطفى: فكرة تهجير سكان غزة كانت حاضرة في التفكير الإسرائيلي منذ الاحتلال عام 1967، من خلال استعمال سلاح التجويع أيضا، بما كان يشبه "خطة الجنرالات" شمالي قطاع غزة. واعتبرت القيادة الإسرائيلية آنذاك، وهي التابعة لليسار الصهيوني أن حل "مشكلة" قطاع غزة يكون من خلال تهجير السكان، كما يطرحه اليوم اليمين الإسرائيلي. لذلك عندما طرح ترامب الخطة في بيانه باركها ورحّبت بها قيادات في المعارضة الإسرائيلية الحالية، مما يؤكد أن معارضتها للتهجير والترانسفير ليست قيمية وأخلاقية ولا حتى سياسية، بل لأنها لم تكن ممكنة وغير قابلة للتنفيذ.

خطة ترامب هي صفقة قرن جديدة بطبعة ثانية، مع الفرق أن صفقة القرن القديمة عام 2020، جاءت لتكريس الواقع الاحتلالي والاستعماري في الضفة كما هو، في حين أن صفقة القرن الجديدة تحاول تغيير الواقع الفلسطيني بشكل مطلق. وكما أن سردية الصفقة القديمة كانت متماهية من السردية الإسرائيلية اليمينية، فإن سردية صفقة القرن الحالية متماهية معها أيضا، وكما تجاهلت الصفقة القديمة الاحتلال تجاهلت الحالية حرب الإبادة. من يسمع ترامب ونتنياهو جالس بجانبه، ويبتسم يعتقد أن ما حل بغزة كارثة طبيعية، ويجب إجلاء الناس من موقع الكارثة وتعميرها من جديد. هو خليط من الجهل، والعنصرية، وكراهية العرب والمسلمين، وتفكير استعماري قديم بحلة رأسمالية عقارية جديدة.
يطرح ترامب صفقة قرن جديدة، ويربطها بالتطبيع في المنطقة وتكرار أسماء دول عربية لاستقبال الفلسطينيين الغزيين، على الرغم من تكرار هذه الدول معارضتها للتهجير. هذا مؤشر يدل على صفات هذا الرجل ونرجسيته المرضية، ونظرته للعرب على أنهم إما ملاجئ للناس من "كارثة طبيعية" وإما أصحاب مصارف لتمويل خططه.
"عرب 48": هل تعتقد أن تصريحات ترامب تعكس موقفًا شخصيًا أم أنها تمثل تيارًا داخل السياسة الأميركية والإسرائيلية؟
مصطفى: موقف ترامب يعكس توجها إيديولوجيا لإدارته، وهو فقط يدمج بين التوجهات الإيديولوجية لإدارته وبين تفكيره الرأسمالي الفاشل، لذلك اعتبر المشروع خطة عقارية، وهو لباس رأسمالي لخطة استعمارية، وهذه التوليفة ليست جديدة، ولكنها بحلة جديدة. إدارة ترامب اليمينية الدينية لا تختلف عن تلك في فترة ولايته السابقة، وربما أشد تطرفا، وتم الحديث كثيرا عن توجهات الحلقة المحيطة به من أرباب الصهيونية الدينية اليمينية، كما أن هذا التيار يتماهى كثيرا مع نتنياهو شخصيا، الذي اعتبر ترامب أكبر داعم ومؤيد لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة، وهذا صحيح بمفهوم اليمين المتطرف. لذلك الخطة ليست نزوة لرجل عقارات فاشل، بل هي خطة من منطلقات إيديولوجية، يحاول ترامب تمريرها على أنها صفقة عقارية لا يهدف منها تسليمها لإسرائيل، بل تتملكها الولايات المتحدة الأميركية، وهو كلام خادع، بالنهاية وعلى فرضية أن الخطة ستنجح، فإنها ستكون لإسرائيل عاجلا أم آجلا.
"عرب 48": هل يمكن أن تكون هذه الفكرة مجرد فقاعة مع فكرة احتلال قناة بنما للتغطية على أمور أخرى في الولايات المتحدة، وما مدى واقعية تنفيذ الخطة؟
مصطفى: أعتقد أن الخطة غير قابلة للتطبيق وستفشل، ولكن هذا لا يعني عدم أخذها بجدية والقول إنها ستفشل بفعل عوامل داخلية تتعلق بطبيعة الخطة فقط، بل إن العامل الفلسطيني والعربي هو حاسم في إفشالها، وعدم تحرك هذا العامل قد ينجح الخطة. ولكن هنالك عوامل أخرى ستفشل هذا المشروع، مثل أن التهجير يحتاج إلى قوة عسكرية على الأرض. ترامب أعلن أنه لن يرسل جنودا أميركيين لتنفيذ ذلك، وأن على إسرائيل تسليم قطاع غزة للولايات المتحدة، هذا يحتاج إلى احتلال قطاع غزة، وهذا معناه استئناف الحرب، ولا أعتقد أن ذلك أصبح واردا بالقوة التي كانت بعد السابع من أكتوبر، بعد تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، فضلا عن المعارضة الدولية الكبيرة حتى من طرف المؤيدين لإسرائيل مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وقوى دولية أخرى، واعتبارها جريمة حرب، فمن سيقبل المشاركة من الدول بجريمة حرب؟ كما أن الناس تدرك معنى اللجوء والنزوح مجددا، و80% من سكان غزة هم لاجئون، ولن تنزح الناس من أرضها، مع الإدراك أن الناس عادة تفضل النزوح من الأماكن غير الصالحة للسكن وأماكن الحروب، ولكن ليس بوعي التهجير، وهذا فرق جوهري.
أعتقد أن أحد أهداف الخطة هو ابتزاز سياسي للدول العربية والفلسطينيين في حالة عدم القدرة على تنفيذها، بحيث يتحوّل منع التهجير لسقف المطالب العربية والفلسطينية، وليس حق تقرير المصير للفلسطينيين في وطنهم، وربما التطبيع مع دول عربية تحت طائلة منع التهجير وابتزازهم بذلك. وفي المجمل، حتى لو كانت الخطة غير عملية، فإنها تطبع خطاب العنصرية والترانسفير في الخطاب الإسرائيلي الشعبي والرسمي.
"عرب 48": كيف تتفاعل الدول العربية، خصوصًا مصر والأردن، مع هذه الفكرة؟
مصطفى: أظن أن الموقف العربي وخصوصا مصر والأردن هاما في هذا الشأن، ومع شأن المثابرة عليه إفشال هذه الصفقة الاستعمارية، وعليهم قول ذلك مباشرة لترامب بوجهه خلال زيارة ملك الأردن والرئيس المصري لواشنطن بدون تبريرات، بل عرض موقف عربي وقومي قوي أمامه، وحتى بدون مبررات الأمن القومي، بل مبررات عروبية وقومية وإسلامية ترفض مجرد التفكير ونقاش فكرة تهجير الفلسطينيين، هكذا فقط يمكن ردع هذا الرجل الجاهل والنرجسي، وتهديده بالمساعدات المالية بهما هو جهل أعمق من جهله بالقضية الفلسطينية. وأعتقد أن الموقف الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والمؤسسات القضائية من شأنها ردع هذا الرجل، وأظن أن ما يفعله سيضر إسرائيل كثيرا على المدى البعيد إن لم يكن القريب، فهو يكرّس مقولة إن إسرائيل فوق القانون، وإنها داعمة التهجير، هذه الدولة التي تعتبر نفسها مهيمنة على خطاب الهولوكوست، اتضح أنه لا علاقة لها بدروس الهولوكوست، وأنه مجرد أداة لا أكثر لتحقيق مصالح سياسية. هكذا تظهر إسرائيل، وهذا الجاهل فقط يُعمّق ذلك على المستوى الدولي، وخاصة في صفوف النخب ومنظمات دولية. حلفاء إسرائيل في أوروبا هي أحزاب عنصرية عندها رُهاب الإسلام والعرب والمهاجرين هو مشروعها الأساسي، وهم أيضا حلفاؤها في الولايات المتحدة.
"عرب 48": كيف يمكن للفلسطينيين استثمار هذا التصريح في الساحة الدولية لصالح قضيتهم؟
مصطفى: أسهم الموقف الفلسطيني عام 2020 في إفشال صفقة القرن، عندما كان هناك خطابا فلسطينيا موحدا رافضا للفكرة تُرْجِم ببداية مباحثات للمصالحة الوطنية، وإنهاء الانقسام والتحضير لانتخابات فلسطينية. للأسف انتهى كل ذلك بعد انتخاب بايدن، وفشل ترامب في الانتخابات الأميركية، وعاد الخطاب الفلسطيني الرسمي للتعويل على الإدارة الأميركية حينذاك، وفشلت الجهود كلها التي بذلت تحت طائلة صفقة القرن الأولى.
الآن، الموقف الفلسطيني هو عامل هام في إفشال هذا المخطط حتى في وعي أصحابه، من خلال العمل على بناء مؤسسات فلسطينية وحدوية منتخبة في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذا لم يحدث ذلك في هذه اللحظة التي فيها إبادة للقطاع وتدمير الضفة الغربية، وطرح مشروع التهجير في غزة وضم الضفة الغربية، فالحقيقة لا يعوّل على مثل هذه القيادة، وسيتضح أنها مستعدة للتضحية بالشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية من أجل خلافات فصائلية سئمت الناس منها، وعليهم تجاوزها ليس من منطلق المحبة الشخصية، بل من منطلق المصلحة الوطنية إذا كانوا وطنيين. هذه هي الوطنية بمفهومها الحديث والحقيقي، وليست الشعارات وانتظار الآخرين ليفشلوا، أو ليظهروا عاجزين. لن يحدث أكثر مما حدث من أجل إعادة بناء المشروع الفلسطيني السياسي وانتخاب مؤسسات وحدوية، والظهور أمام العالم والجاهل ترامب والمجرم نتنياهو بحكومة فلسطينية موحدة، وسلطة فلسطينية وحدوية، ومنظمة تحرير تمثيلية بشكل حقيقي، وإلا فإن المخطط الذي بجوهره غير قابل للتنفيذ ستزداد إمكانية تنفيذه.
اقرأ/ي أيضًا | ترامب: لا داعي للعجلة بشأن تنفيذ خطة غزة
المصدر: عرب 48