Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

موجز في تاريخ اختراق الهاتف

في كتاب “مختبر فلسطين: كيف تصدّر إسرائيل تقنيّات الاحتلال إلى العالم” لأنتوني لونشتاين، الّذي تُرجم إلى العربيّة في آذار/مارس الماضي، وصدر عن “الدار العربيّة للعلوم ناشرون”، افتتح المترجم مقدّمة ترجمته للكتاب بسؤال مفاده: ما هي نتائج هجوم 7 أكتوبر في قطاع غزّة؟… محاولًا من خلاله الإجابة على كيف أودى هجوم السابع من أكتوبر “طوفان الأقصى” بالوجه الأسطوريّ للدولة العبريّة في عالم التقنيّة والأمن، وأجهزة المراقبة والتجسّس والاختراق، خصوصًا وأنّ كتاب لونشتاين يحاول التأصيل إلى كيف غدت إسرائيل في العقود الأخيرة بقطاعاتها العسكريّة وشركاتها الأمنيّة، محجّ دول العالم ومقصدها من أجل الاستعانة بعالم أمنها وقدراتها التقنيّة على التجسّس والتعقّب والاختراق. فإذا كان من ضربة لهجوم السابع من أكتوبر، فهي لسمعة إسرائيل فيما تحاول التسويق والترويج له من قدرات أمنيّة وتقنيّة قبل أيّ شيء.

إنّ حرب الإبادة الّتي يشنّها جيش الاحتلال منذ مساء السابع من أكتوبر على قطاع غزّة، وما رافقها من عمليّات استخباراتيّة وعسكريّة نفّذتها إسرائيل في لبنان وسوريّة وعلى الأراضي الإيرانيّة في طهران، منها اغتيال لقيادات سياسيّة ودبلوماسيّة وعسكريّة كذلك، كان آخرها وأبرزها اغتيال القياديّ في حزب اللّه فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسيّ لحركة حماس إسماعيل هنيّة في ليلة واحدة. ولا نظنّ أنّ ذلك كلّه، قد أعاد بنظر الإسرائيليّين الاعتبار لهيبة دولتهم وسمعة قدراتها الأمنيّة، مثلما كان لعمليّة تفجير أجهزة اتّصال حزب اللّه أمس الأربعاء ونهار أوّل أمس الثلاثاء في لبنان، حيث وجد الإسرائيليّون، مجتمعًا ودولة، في العمليّة ردًّا لاعتبار تفوّقهم وقدراتهم على تنفيذ ما لم يكن يخطر ببال. فهكذا تبدو أجواء التقارير الإعلاميّة الإسرائيليّة، المكتوبة والمرئيّة منها، وتعليقات جمهور المجتمع الإسرائيلي عليها، وإن كان المستويان الرسميّان الإسرائيليّان، السياسيّ والعسكريّ قد آثرا الصمت حول العمليّة في تبن مستبطن لها.

ومع أنّ العمليّة الّتي استهدفت آلاف الأجهزة، هي مذبحة لم تخل بطبيعتها من آثار دمويّة، أسفرت عن 32 شهيدًا على مدار اليومين بينهم مدنيّون وأطفال، وآلاف المصابين اللبنانيّين منهم المئات بحالة حرجة، إلّا أنّها عمليّة يصنّفها الإسرائيليّون بوصفها فيها ما يستعيد تفوّقهم لا إلى انتقامهم الدمويّ الجاري منذ السابع من أكتوبر فحسب. وليس الإسرائيليّون وحدهم، إنّما كلّ من يختلف مع سياسات إسرائيل أو يعاديها، قرأ العمليّة في سياق التفوّق أو الإقرار فيه لا الانتقام فقط، وذلك إلى حدّ عودة البعض إلى إعادة السؤال المتّصل بثنائيّة “التقدّم والتخلّف” لا في الجانب العسكريّ – الأمنيّ فحسب، إنّما في جوانب أخرى متعلّقة بالسياسة والاجتماع، خصوصًا أنّ عمليّة تفجير أجهزة اتّصال حزب اللّه جاءت في سياق سلسلة عمليّات عسكريّة – أمنية استهدفت فيها إسرائيل الحزب وإيران بضربات حسّاسة وموجعة لم يكن ردّهما عليها مقنعًا، أو على الأقلّ ليس بمستوى ما تكبّداه من ضحايا وخسائر، مع العلم أنّ العمليّة لا صلة للتفوّق التكنولوجيّ فيها على حقيقة وجوده، بقدر ما أنّها متّصلة بالعقل الإجراميّ الّذي لم يتوان عن استخدام أيّ تقنيّة ممكنة لقتل أكبر عدد ممكن من الناس الأبرياء، ثمّ ادّعاء المباغتة والتفوّق.

لإسرائيل وأجهزتها العسكريّة والأمنيّة تاريخ طويل في استخدام تقنيّة الهاتف كأداة لتعقّب الأعداء وتصفيتهم بها، استحضرته وسائل ومواقع إعلاميّة مختلفة في اليومين الأخيرين، وذلك منذ عام 1972 عندما قام عملاء الموساد بتفجير هاتف ممثّل منظّمة التحرير الفلسطينيّة محمود الهمشري في شقّته بالعاصمة الفرنسيّة باريس. وكانت العمليّة الأشهر سنة 1996 عندما اغتال الشاباك الإسرائيليّ يحيى عيّاش مهندس المتفجّرات في حركة حماس عبر هاتف محمول من طراز “موتورولا ألفا” تمّ تفخيخه، وأودى به في غزّة في حينه. ثمّ كانت عمليّة تفجير أجهزة اتّصال حزب اللّه أمس وأوّل أمس في لبنان.

في العودة إلى كتاب أنتوني لونشتاين “مختبر فلسطين” الّذي أفرد فيه فصلًا حمل عنوان “الرقابة الإسرائيليّة الشاملة في دماغ هاتفك” تتبّع فيه الكاتب تاريخ دور الشركات الأمنيّة الإسرائيليّة في صناعة عالم التجسّس والاختراق المؤدّي إلى التصفية والقتل، ومن أشهر هذه الشركات المصنّعة والمسوقة لبرامج التجسّس كانت شركة المراقبة الإسرائيليّة NSO، وشركة التجسّس بلاك كيوب Black Cube، وكذلك شركة باراغون Paragon، وكان يدعم هذه الأخيرة رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك ومتقاعدين من الوحدة 8200.

غير أنّ الكاتب يسلّط الضوء في فصل كتابه على برنامج “بيغاسوس” للتجسّس والتعقّب الّذي أطلقته شركة NSO، ثمّ عملت على الترويج والتسويق له، وباعته لعدّة حكومات في دول العالم، وبيغاسوس نسبة لاسم الحصان المجنّح في الأسطورة الإغريقيّة، لأنّ مؤسّسي الشركة اعتقدوا أنّ هذه البرنامج يشبه حصان طروادة الّذي يطير في الهواء، ويدخل في الهاتف المحمول. لم يكن الغرض من برنامج بيغاسوس التصفية والقتل، إنّما التجسّس والتعقّب لأهداف مكافحة الجريمة وتجّار السموم، فهذا ما تذرّعت به الحكومة المكسيكيّة سنة 2013 الّتي تحمّست للبرنامج، واشترته من الشركة الأمنيّة الإسرائيليّة NSO، إلّا أنّ الحقيقة كانت تجافي ما ادّعته الحكومة المكسيكيّة الّتي اخترقت عبر برنامج بيغاسوس، هواتف عدد لا يحصى من الصحفيّين المكسيكيّين الناقدين لفساد الدولة الّذين انتهى بهم الحال إلى موتهم، كما تمكّنت عصابات مكسيكيّة من الحصول على البرنامج بتواطؤ من مسؤولين حكوميّين معها من أجل القضاء عصابات وأعداء متبادلين.

كما استخدم النظام المغربيّ في السنوات الأخيرة، برنامج بيغاسوس لاستهداف منتقديه ومعارضيه الّذين انتهت بهم الأمور إلى السجن باتّهامات ملفّقة، وقد طبعت إسرائيل والمغرب العلاقات بينهما في أواخر سنة 2020 مع الاتّفاق بأنّ الولايات المتّحدة ستعترف بسيطرة المغرب المتنازع عليها في الصحراء الغربيّة، وذلك، في سياق مدّ إسرائيل عبر شركاتها الأمنيّة النظام المغربيّ ببرامج وتطبيقات حديثة متّصلة بتقنيّات التعقّب والترصّد الّتي كثيرًا ما انتهت إلى التصفية والقتل.

وقائمة الدول الّتي استعانت بخدمات إسرائيل الأمنيّة بحسب لونشتاين تطول، إذ استخدمت دولة رواندا برنامج بيغاسوس لمراقبة المنشقّ “بول روسيساباجينا Paul Rusesabagina” الّذي اختطفه الروانديون لاحقًا وأدانوه سنة 2021 بجرائم تتعلّق بالإرهاب، وكذلك أقامت دول توغو – في غرب أفريقيا – علاقات وثيقة مع إسرائيل في العقد الأخير، في نفس السياق المتعلّق بالخدمات الأمنيّة الّتي وفّرتها الدولة العبريّة لتوغو بعد أن زار رئيس هذه الأخيرة فورييه ناسينغبيه إسرائيل سنة 2017.

لم يكن مقابل الخدمات الأمنيّة وبرامج التجسّس والتعقّب الّتي أطلقتها الشركات الأمنيّة الإسرائيليّة جنيّ الأموال والأرباح فقط، إنّما الدعم الدبلوماسيّ لسياسات الاحتلال الإسرائيليّ، إذ صوّتت توغو لصالح إسرائيل غير مرّة في الأمم المتّحدة، كان آخرها تأييد الاعتراف بالقدس “عاصمة أبديّة” لإسرائيل.

لا ترى الشركات الأمنيّة الإسرائيليّة بنفسها إلّا منتجة ومروّجة لخدمات أمنية يمكن أن تخدم الدول لأغراض “نبيلة” مثل مكافحة “الإرهاب” والجريمة. غير أنّ الحقائق تثبت عكس ذلك، إذ تقف شركات برامج التجسّس والتعقّب الإسرائيليّة الّتي تعمل وتروّج لبرامجها، بإشراف وزارة الدفاع عبر الهواتف وغيرها من التقنيّات، خلف جرائم وأعمال تصفية وقتل على خلفيّات سياسيّة في كثير من دول العالم، دون أن تحمل توقيع إسرائيل في تلك الجرائم.

وممّا يلفت النظر أنّ وحدة الأمن الإسرائيليّة 8200، الّتي صار لها تاريخ في تأسيس الشركات الأمنيّة وإنتاج برامج التجسّس والتعقّب والاختراق فيها، منها شركة NSO نفسها، فإنّ لهذه الوحدة بصماتها بحسب تقرير نشرته صحيفة “معاريف” الإسرائيليّة صباح اليوم الخميس في تفجير أجهزة اتّصالات حزب اللّه في اليومين الأخيرين في لبنان.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *