نتنياهو أيد خطة فك الارتباط وإخلاء مستوطنات وعارضها قبيل تنفيذها
بروتوكول: شارون استعرض الخطة أمام نتنياهو منذ العام 2003، ونتنياهو لم يعترض وإنما عبر عن تدعمه لخطوات طالب بأن ينفذها شارون، وقبل شهر من التنفيذ، عام 2005، بدأ نتنياهو بمعارضتها واستقال من الحكومة
شارون ونتنياهو في الكنيست، عام 2005 (Getty Images)
تسببت خطة فك الارتباط أو الانفصال عن قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، التي نُفذت في العام 2005، بانقسام حزب الليكود الحاكم، بسبب معارضة واسعة نسبيا لها، بقيادة وزير المالية، بنيامين نتنياهو. وفي أعقاب ذلك، شكل رئيس الحكومة الإسرائيلية حينها، أريئيل شارون، حزب “كديما” بعد انشقاقه عن الليكود. وقرر شارون تنفيذ خطة فك الارتباط بعد انتخابه لولاية ثانية في رئاسة الحكومة، في العام 2003. وأطلع شارون حينها وزراء وأعضاء كنيست على الخطة.
والتقى شارون في مكتبه مع نتنياهو ليطلعه على خطة فك الارتباط، في 9 كانون الأول/ديسمبر عام 2003. وحضر اللقاء مدير مكتب رئيس الحكومة، المحامي دوف فايسغلاس، ومساعد شارون، ليئور شيلا، الذي دوّن بخط يده بروتوكول هذا الاجتماع والاجتماعات الأخرى حول الخطة، وفق ما ذكرت صحيفة “هآرتس” اليوم، الجمعة. ويذكر أن الانتفاضة الثانية كانت في ذروتها حينذاك.
وحذر أربعة رؤساء سابقين لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) من عواقب استمرار الجمود السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين، فيما أعلن طيارون في الاحتياط أنهم سيتوقفون عن مهاجمة أهداف في الأراضي المختلة، وانضم إليهم ضباط وجنود مسرحون من وحدة كوماندوز النخبة “سرية هيئة الأركان العامة”. وخيمت على شارون ونجليه، عومري وغلعاد، شبهات بتلقي الرشوة.
إلى جانب ذلك، طرحت إدارة الرئيس الأميركي، جورج بوش الابن، خطة “خارطة الطريق”، التي طالبت السلطة الفلسطينية بوقف العمليات الانتحارية، وطالبت إسرائيل بتجميد البناء في المستوطنات وتفكيك البؤر الاستيطانية العشوائية والامتناع عن مهاجمة المدنيين الفلسطينيين والانسحاب من مناطق سيطرت عليها إسرائيل في عملية اجتياح الضفة، عام 2002، وذلك كله تمهيدا لاستئناف المفاوضات حول حل دائم. إلا أن إسرائيل بدأت في هذه الأثناء ببناء جدار الفصل العنصري، الذي ضم لإسرائيل الكتل الاستيطانية، وجرى التخطيط لبناء جدار مشابه بين الضفة والأردن من أجل ضم المستوطنات في الأغوار.
على هذه الخلفية اتخذ شارون القرار بشأن فك الارتباط، وأبلغ الإدارة الأميركية به. وكان شارون قلقا من موقف خصمه نتنياهو. فإذا رفض نتنياهو الخطة، فإنه لن يكون بالإمكان لدرجة الاستحالة تنفيذها. إلا أن بحسب بروتوكول هذا الاجتماع، الذي حصلت عليه الصحيفة، فإن نتنياهو لم يعبر عن معارضة مطلقة للخطة، وأنه “لم يحرك جفنا”.
وقال شارون لنتنياهو إنه لا يمكن تنفيذ “خارطة الطريق” سوى بشكل كامل، وأنه لا يمكن الانتقال من مرحلة إلى أخرى فيها من دون تنفيذ كامل للمرحلة السابقة. وأوضح أن أحد المبادئ الهامة لديه يتعلق بعدم إغضاب الإدارة الأميركية. “يعتقد الأميركيون أنه من الضروري ألا تظهر إسرائيل كمن تسببت بفشل خارطة الطريق”.
وأشار فايسغلاس، الذي كان مبعوث شارون الخاص إلى واشنطن، إلى أن “الأميركيين يرون صعوبة في ضم مناطق خلف حدود 1967. وسيكون من الصعب الدفاع عن سياسة أحادية الجانب”. وقال شارون “لذلك، يجب أن تكون مقولتنا أمنية. وعمليا إسرائيل أقدمت على خطوة أمنية”.
وأضاف شارون أنه “لدينا مشكلة، وأنا أعتقد أنه ينبغي، بين المجهود الحقيقي والصادق من أجل الوصول إلى خارطة الطريق وبين الوصول إلى تلك التسوية، القيام بعدة خطوات، إخلاء عدة بلدات (مستوطنات). ونحن لن نبقى في قطاع غزة لفترة طويلة. وربما توجد أمور مزعجة هنا وهناك، (المستوطنات في شمال الضفة) غانيم وكيدي موسا-نور وسيلة الظهر (أي القرية الفلسطينية قرب مستوطنتي سا-نور وحوميش). وفي القطاع (مستوطنة) نيتساريم إشكالية، وكذلك المستوطنة في أقصى الجنوب هناك”.
ووفقا للصحيفة، فإنه في بروتوكول هذا اللقاء لم يُسجل أي رد فعل من جانب نتنياهو على أقوال شارون، الذي تحدث عن “تسهيلات واسعة (للفلسطينيين) كي نحرر أنفسنا من ضغوط ومن المسؤولية عن مساعدة الفلسطينيين، وربط بين غزة ومصر بشكل حرّ. والجدار الشرقي هو شرط لتنفيذ هذه الخطوة. وبرأي بالإمكان الصمود. وهناك عدة خطوات بالإمكان تنفيذها. وهذا سيخفف كثيرا على الأميركيين”.
وسأل نتنياهو حول منع نقل سلاح من مصر إلى قطاع غزة، وأجاب شارون أن منع ذلك يتم من خلال “مراقبة مصرية. وأنا لا أعتمد عليهم”. إلا أن فايسغلاس قال إن “معظم الأسلحة يدخلها الفلسطينيون اليوم من البلاد”، أي من داخل إسرائيل.
وتابع شارون “أنني لا أخشى القول إنه بلدات (مستوطنات) القطاع سيتم إخلاءها. ولدينا مشكلة مقابلة الأميركيين في الموضوع الإنساني والبؤر الاستيطانية التي لم يصادق على إقامتها والمستوطنات. وفي الفترة المرحلية سنتمكن من إزالة البؤر الاستيطانية… تقليص الحواجز والأطواق والقيود على الحركة، تسليم مناطق أخرى إلى مسؤولية الفلسطينيين بموجب تسويات أمنية”.
وقال نتنياهو إنه “سأحدثك عن أفكاري الآنية. ينبغي إنهاء الجدار لأننا سنتعرض لضغوط متزايدة في أي وضع. وسأعلن هذا الأسبوع عن فرض ضريبة على السولار من أجل تمويل بناء الجدار. وإذا أسرعت ببناء الجدار الشرقي فستحصل على دعم كبير، ومني بالتأكيد”. ورد شارون أن “الجدار الشرقي هام من أجل ضمان بقاء غور الأردن بأيدي إسرائيل”.
وقال نتنياهو إنه “سيكون ضغط دولي هائل وبالغ بسبب ذلك، وسأقف إلى جانبك في خطوة كهذه. وأنا مستعد لتشكيل لجنة لتسريع بناء الجدار. وثمة حاجة لشخص من قِبلك”. وأجابه شارون: “فّكر في هذه الأمور وسنتحدث بعد عدة أيام”.
في شباط/فبراير 2005، صادق الكنيست نهائيا على “قانون الإخلاء والتعويض” بتأييد نتنياهو. وفي نهاية الشهر نفسه عقد شارون مداولات حول خطة فك الارتباط، بمشاركة نتنياهو، وتم خلالها رفض السماح للمستوطنين الذين سيتم إخلاءهم من القطاع بالعودة إلى المستوطنات وأخذ أغراضهم. وقال نتنياهو لشارون “بإمكانك تعويضهم، افعل ما تشاء، لكن هذا العتاد لن يبقى هناك. يجب إخراجه، وينبغي أن يكون هذا واضحا”.
إلا أن موقف نتنياهو تغير من الخطة لدى اقتراب موعد تنفيذها، وصرح في أيار/مايو 2005، أنه “كلما تقدمت الخطة فإن الإرهاب يتقدم أيضا”، لكنه أوضح أنه لا يعتزم الاستقالة من الحكومة. وفي الشهر التالي رفض دعوة أفيغدور ليبرمان بالاستقالة وقيادة معارضة الخطة. كما تغيب نتنياهو عن تصويت في الكنيست حول تأجيل تنفيذ الخطة، في تموز/يوليو.
واستقال نتنياهو من الحكومة قبيل بدء تنفيذ الخطة، في آب/أغسطس 2005. وادعى في كتاب الاستقالة الذي قدمه إلى شارون أنه “منذ المحادثة الأولى التي استعرضت أمامي خلالها خطتك قلت لك إنني أعارض انسحابا أحادي الجانب من دون مقابل، والذي في تقديري سيعزز قوى الإرهاب. وطوال هذا الوقت بقيت في الحكومة رغم معارضتي المتزايدة للانسحاب”.
المصدر: عرب 48