نتنياهو الكاذب يكشف خطّته الحقيقيّة لما بعد الحرب
في الوقت الذي ينغمس كثيرون في محاولات تفنيد ادعاءات رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لرفض الصفقة، سواء أولئك من داخل إسرائيل الذين يعتمدون على وصفه بأنه شخص يفتقد للمصداقيّة، أو كاذب مزمن بحسب وصف شريكه في الحكومة بتسليئيل سموتريتش، أو من أدمنوا على التشخيص بأن نتنياهو يطيل أمد الحرب لأهداف ذاتيّة، تتمثّل في البقاء في الحكم.
وكشف نتنياهو، لأول مرة بعبارة من كلمتين، خلال مؤتمره الصحافيّ لوسائل الإعلام الإسرائيليّة، الإثنين الماضي، تصوّره لليوم الذي يلي الحرب، وهو تصوّر يشرح بشكل صحيح سبب اتجاهه لإطالة أمد الحرب، وحقيقة النصر المُطلق الذي يتحدث عنه، وهو باختصار إعادة احتلال قطاع غزة كاملا، وعدم العودة إلى ما قبل قرار فكّ الارتباط والانسحاب من غزة، في العام 2005.
وأعلن نتنياهو بشكل واضح في كلمتين اثنيتن، أن البقاء في فيلادلفيا هو لأسباب سياسيّة إستراتيجيّة، بمفهوم سياسة الدولة وتصوّرها لمرحلة ما بعد الحرب، بالبقاء في فيلادلفيا، والسيطرة على كافة معابر غزة برّا وبحرا وجوّا، وعمليًّا إعادة تطويقها من الجهات الأربعة، بالانتشار على امتداد محور رفح بين الحدود المصرية، وحدود القطاع ومعالجة وإدارة كل المجالات إلى أن تقوم جهة ما غير إسرائيل، بتولي هذه المهامّ، إذا وُجدت، أو حتّى حين التوصّل لحلّ دائم.
يلتقي هذا التصوّر لنتنياهو مع سعيه أيضا للتراجع فعليًّا عن اتفاق أوسلو، ورفض أي طرح لحلّ الدولتين، وهو سعي لم يكن نتنياهو قد تخلّى عنه منذ عودته للحكم عام 2009، وإن اعتمد سياسات المراوغة بشأن الاستحقاقات الفلسطينيّة، مقابل تسهيل مشاريع الاستيطان، وتقويض قبضة السلطة الفلسطينيّة نفسها في الضفّة الغربيّة، ثم اتهامها بالضعف، وصولا إلى تكثيف الحرب على الضفة الغربيّة، بموازاة الحرب على قطاع غزة.
وقد بات واضحا اليوم أن نتنياهو، وبحسب المؤتمر الصحافيّ، الإثنين، يرى أن مهمة الجيش والقيادات الأمنيّة والعسكريّة، تتلخّص في توفير الأدوات والوسائل اللازمة للمستوى السياسيّ وتنفيذ ما يطلب منه، دون أن يكون صاحب حق في الاعتراض على الأهداف السياسية التي يحددها المستوى السياسي، أي الحكومة. وهو في هذا يسير على خطى بيغن وشمير، اللذان عدّا الجيش، خاضعا للحكومة، وملزَما بتنفيذ قراراتها، وليس شريكا لها، خلافا للنهج الذي سارت عليه حكومات اليسار، وحزب العمل التاريخي، التي كان قادة الجيش وجنرالاته يأتون بالأساس من صفوفه، وكانت هناك بالرغم من التظاهر المصطنع بالفصل بين الجيش والحزب؛ وحدة حال في الرؤيا السياسية والعسكرية للطرفين.
من هنا يعدّ نتنياهو، أن على وزير أمنه، يوآف غالانت مثلا، أن يمثّل الحكومة لدى الجيش وينفّذ خطط الحكومة (والكابينيت السياسيّ والأمنيّ، صاحب القرار) وليس العكس، خصوصا وأن دور قائد الجيش وباقي أجهزة الاستخبارات، ينتهي بعرض مواقفهم واقتراحاتهم أمام الكابينيت، لكنهم ليسوا جزءا من عملية التصويت، واتخاذ القرار بشأن الحرب والسلام.
ويفسّر هذا مع تعاظم الانزياح الإسرائيلي لليمين، وتنامي قوة الفئات الشعبية والسياسية التي تصنَّف ضمن إسرائيل الثانية بما فيها الصهيونيّة الدينيّة والحريدين والشرقيين، ويمكن اختصار ذلك بعبارة إسرائيل اليمينة الصاعدة، مسعى نتنياهو إلى العودة لصورة اليمينيّ العقائديّ الذي جاء من بيت يؤمن بأرض إسرائيل الكُبرى، ولا يقبل بأقلّ من تسوية تاريخيّة مع العرب تقول إن العرب شرقيّ النهر، واليهود غربية، ولا مكان لكيان ثالث بين الأردن وإسرائيل، وهو طرح لم يخفه يوما، لكنه عاد إليه متراجعا حتى عن فكرة “كيان فلسطينيّ أقلّ من دولة، بين انتخابات نيسان/ أبريل 2019، وسبتمبر 2019 في مثوله أمام لجنة الكنيست للبحث في طلب نزع الحصانة البرلمانية، عنه بعد تقديم لوائح اتهام ضده، مع بدء أزمات الانتخابات المتلاحقة منذ حل حكومته في ديسمبر 2018.
خلاصة القول إن نتنياهو الذي يبرز في السنوات الأخيرة في كل مناسبة سياسة تشترشل في الحرب العالمية الثانية، المناهضة لأي تسوية أو صلح مع ألمانيا النازية، يحاول تصوير نفسه بأنه تشرتشل الإسرائيليّ، الذي لن يخضع للضغوط الدوليّة، وهو في سياق مسار الحرب على غزة، يعزّز في تصريحاته من عمليّة بناء هذه الصورة له، مقابل الإدارة الأميركيّة الحاليّة، كستار لحقيقة قراره الداخليّ، بعدم منح إدارة بايدن أيّ “إنجاز” يساعد كمالا هاريس في الانتخابات الأميركيّة، أو فرصة لممارسة ضغوط على إسرائيل لوقف الحرب.
المصدر: عرب 48