نتنياهو مصمم على تفجير الحرب ضد إيران
لم يعد نتنياهو يأبه أو يبالي في رفضه “المناشدات” الأميركية لوقف الحرب على غزة، أو التريث و”حسن الاختيار” للأهداف التي يعتزم ضربها في إيران، بغضب إدارة بايدن والولايات المتحدة من رفضه، ولا بالعبرات و”الشتائم” التي قد يوجهها له بادين في الغرف المغلقة، التي تكون أبوابها وشبابيكها مفتوحة على مصراعيها لضمان سهولة تسريب الشتائم والتحفظات والتقديرات، في حالة تشبه إلى حد كبير حالة الدول العربية المساندة لإسرائيل، فعليا، في حربها على غزة وفي حربها على لبنان، فيما تتظاهر بالغضب والرفض للممارسات الإسرائيلية. ولعل أكثر ما يدلل على هذا الكلام، عربيا، هو “امتناع” هذه الدول عن مجرد الانضمام إلى الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب.
والحقيقة أن نتنياهو الذي تمكن من مد الحرب، حرب الإبادة على غزة لأكثر من عام، خصوصا في ظل الرضوخ العربي، من جهة، واستمرار طعم إدارة بايدن، فعليا، وليس فقط على مستوى التصريحات المتتالية بتأييد حق “إسرائيل في الدفاع عن نفسها” وفق موقف الكذب الأميركي، يسعى اليوم لتفجير الحرب على إيران، كي يضمن بشكل يقيني دخول الولايات المتحدة ومحورها في المنطقة، إلى هذه الحرب دفاعا عن إسرائيل، حتى وإن ادّعى حلفاء أميركا أن اعتراض الصواريخ الإيرانية، مثلا، هو من باب حماية الأجواء الوطنية والسيادية لدولهم.
وكما تمكن نتنياهو على مدار العام الماضي من مواصلة حرب إبادة دون أن يلقى موقفا عربيا معارضا لجرائمه، بشكل فعلي ولو بخطوات رمزية مقل قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ووقف التطبيع، والخروج من موقف المتفرج، فإنه بات يعتقد أن بمقدوره أن يستغل الأسابيع القليلة الباقية على الانتخابات الأميركية، لفرض حالة حرب حقيقة مع إيران، تورط الإدارة القادمة، سواء أسفرت الانتخابات عن بقاء الديمقراطيين في البيت الأبيض أم عودة ترمب بإدارة جمهورية للبيت الأبيض.
والظاهر أن نتنياهو لا يخفي حرجا في مثابرته على التخلص من إدارة بايدن والديمقراطيين بالرغم من كل ما قدموه له خلال حرب الإبادة عل غزة. وهو ولم يعد يهتم أيضا لصرخات الاستنكار عند معارضيه من انه يجازف بنسف الإجماع الأميركي على دعم إسرائيل والوقوف لجانبها مهما اقترفت من جرائم.
وتستفيد إسرائيل حاليا، مما تصفه بضعف إدارة بايدن، والحقيقة أن هناك توافقا تاما معها في الأهداف لكن الخلاف هو فقط على التوقيت ونوعية الأهداف خلال الفترة الحرجة التي دخلتها الانتخابات الأميركية. كما تستفيد من حالة “الحراك الدبلوماسي”، سواء لمحاولات فرنسية لتثبيت قواعد جديدة في لبنان قبل وقف الحرب، وكشرط مسبق لوقف الحرب، وفق للمنطلقات الإسرائيلية، إذ لا يمكن النظر بجدية لتصريحات الرئيس الفرنسي ودعوته لفرض حظر بيع السلاح إلى إسرائيل، فهو تصريح لا يتعدى في الواقع كونه ذر للرماد في العيون، وإرضاء المعجبين بمستعمرهم السابق، ومن يطلق عليهم بالفرانكفونيين، الذين يرفضون أن يروا فرنسا وإرثها الاستعماري على حقيقته، ويصرون على اعتبار البصاق في وجوههم مطر الخير والبركة.
وتستفيد إسرائيل أيضا من “الصحوة” للنظام المصري، في محاولاته البحث في كيفية إيجاد إدارة فلسطينية، مجتمعية أو توافقية، عبر استضافة لقاءات لفتح وحماس في القاهرة، ما دامت نقطة الانطلاق التي يتحدث عنها النظام المصري المتحالف فعليا مع إسرائيل، وشريكها لأكثر من 18 سنة في حصار غزة، تبدأ فقط بعد أن تنهي إسرائيل حربها على القطاع وليس الاتفاق على خطة لمواجهة حرب افبادة وسبل الضغط على إسرائيل لوقفها، علما بأن مصر وباقي الدول العربية كانت تدعي، ولا زالت أنها تحافظ على علاقاتها مع إسرائيل تؤثر في سياساتها وتفعها لتجنح “نحو السلام”.
فحالات الحراك الدبلوماسي والمبادرات واللقاءات في مختلف العواصم لا تختلف عن جلسات الوساطة واللقاءات والاتصالات في مسألة “صفقات تبادل أسرى لوقف الحرب، منحت الجيش الإسرائيلي فعليا شهور طويلة لزرع الدمار والقتل في قطاع غزة، وهو ما ينتظر لبنان إذا انصرفت الأنظار إلى أحاديث المبادرات الغربية الرامية أساسا لفرض الشروط الإسرائيلية على لبنان وحزب الله، مثل مسألة تطبيق القرار 1701. وسيمنح الاشتغال المفرط به بهذه المبادرات التي لا تتجاوز الاتصالات بين الأطراف العربية نفسها، إسرائيل مزيدا من الوقت الثمين للتوغل في لبنان وإعمال القتل والتدمير فيه، ونقل هذا التدمير لسوريا أيضا، بانتظار الفرصة المواتية للرد على الضربة الإيرانية، والزج ليس فقط بالولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في الحرب ضد إيران، وإما أيضا توريط الدول العربية، التي وقفت موقف المتفرج إزاء ما يحدث في غزة، لكنها انخرطت في “الدفاع ” عن سيادة أجوائها، أمام الصواريخ الإيرانية.
المصدر: عرب 48