نتنياهو يتنازل عن الأسرى مقابل مواصلة احتلال غزّة
بعد أشهر طويلة من التعمية والتسويف كشف بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفيّ بالنسختين العبريّة والإنجليزية، عن الموقف الإسرائيليّ الحقيقيّ المتمسّك ببقاء الجيش الإسرائيليّ في محور فيلادلفيا ومعبر رفح، معلنًا بالتزامن عن إصدار توجيهاته للجيش الإسرائيليّ بتولّي مسؤوليّة توزيع المساعدات الإنسانيّة في القطاع بعد أن أعلن في وقت سابق عن تعيين “حاكم عسكريّ” لغزّة تحت مسمّى “رئيس الجهود المدنيّة الإنسانيّة”، وهو منصب مواز لمنصب رئيس الإدارة المدنيّة التابع للاحتلال في الضفّة الغربيّة.
محصّلة هذه الخطوات تعني إحكام السيطرة الإسرائيليّة على حدود قطاع غزّة البحريّة والبرّيّة والتحكّم بالمعبر البرّيّ الوحيد الّذي يربطها بالعالم الخارجيّ وهو معبر رفح، الأمر الّذي يعني إعادة أو استمرار احتلال القطاع والضرب بعرض الحائط بجميع الاتّفاقات المرتبطة به، والّتي نصّت عليها تفاهمات ومعاهدات أوسلو وكامب ديفيد وملحقاتها المرتبطة بخطّة فكّ الارتباط من عام 2005.
وتشمل خطّة نتنياهو الّتي ترسم ملامح اليوم التالي للحرب، إبقاء السيطرة على محور “نيتسريم” الّذي يقطع شمال قطاع غزّة عن جنوبه، لتفتح الباب على سيناريوهات مختلفة للتعامل مع شمال القطاع الّذي أدّت الحرب إلى تهجير الغالبيّة الكبرى من سكّانه، بينها “خطّة الجنرالات” الّتي يقودها غيورا آيلند، وتقضي بتهجير ما تبقى من سكّان الشمال، والّذين يقدّر عددهم بت 300 ألف نسمة، بواسطة ممرّات مراقبة.
ويقول الجنرال آيلند الّذي طالما جرى الترويج لحلوله الفاشيّة المتعلّقة بحصار التجويع حتّى الموت، إن الخطّة تقضي بفرض حصار عسكريّ على الشمال وتخيير مقاتلي حماس بين الاستسلام أو الموت، كما تقترح في هذا السياق إلى تخفيض المساعدات الغذائيّة إلى شاحنتين في اليوم فقط، ضمن سياسة التجويع حتّى الموت، ومن ثمّ استنساخ الخطّة إلى مناطق أخرى.
وكانت تقارير معزّزة بصور أقمار صناعيّة سبق أن كشفت أن إسرائيل تقوم بإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود مع قطاع غزّة، ستقتطع 16% من مساحة القطاع، وأن الجيش الإسرائيليّ قد قام لهذا الغرض بهدم كافّة المباني الواقعة في عمق كيلومتر واحد غربيّ الجدار الحدوديّ، وهي مساحة قابلة للتمدّد، هذا ناهيك عن مخطّطات سموتريتش وبن غفير للعودة إلى الاستيطان في غوش قطيف وشمال غزّة.
تداعيات مخطّطات نتنياهو تتعدّى الفلسطينيّين لتثير مخاوف المصريّين أيضًا، الّذين تتكدّس كمّيّات كبيرة من المساعدات الإنسانيّة المخصّصة للقطاع في أراضيهم، بعد قطع سبل إيصالها إلى قطاع غزّة عقب تدمير الجيش الإسرائيليّ لمعبر رفح، محلّل الشؤون العربيّة في صحيفة “هآرتس” تسفي برئيل نقل انّه جرى إبادة مئات الأطنان من الموادّ الغذائيّة الّتي نفذ تاريخ صلاحيّتها كما تمّ توزيع البعض الآخر على سكّان العريش، بينما ازدحمت طرقات المدينة الصغيرة بمئات الشاحنات الّتي تنتظر الدخول لغزّة.
برئيل عزّى زيارة الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي إلى العاصمة التركيّة بعد قطيعة دامت 11 عامًا، وجرى خلالها توقيع العديد من الاتّفاقيّات الاقتصاديّة بينها شراء “مسيرات” تركيّة وإقامة مجلس مشترك للتنسيق الاستراتيجيّ، إلى محاولات مصر البحث عن شراكات جديدة في المنطقة، مشيرًا إلى محاولات إيران الحثيثة أيضًا لتسخين علاقاتها مع القاهرة.
وجدير بالذكر أن العلاقة مع مصر هي ليست الخسارة الوحيدة الّتي يقود إليها نهج نتنياهو المحكوم بتوجّه حكومة اليمين الاستيطانيّ، بل هي واحدة من جملة خسارات استراتيجيّة يعدّدها خبراء في هذا المجال، بينها العلاقة مع الولايات المتّحدة الحليف الاستراتيجيّ لإسرائيل و”خسارة الشمال” في ضوء استمرار حالة الاستنزاف على هذه الجبهة، إلى جانب تآكل قدرات الجيش وتفويت فرصة مواجهة الملفّ النوويّ الإيرانيّ وغيرها من التحدّيات المصيريّة الأخرى، مقابل بقاء في غزّة دون أيّ طائل، ولن يحقّق أية نتائج، وسيسهم في خسارة حياة الأسرى.
بل ويذهب الجنرال المتقاعد يتسحّاق بريك إلى أبعد من ذلك حين يقول، انّه إذا لم يخرج الجيش الإسرائيليّ من غزّة في إطار صفقة تبادل، فإنه سيخرج وهو يرفع الراية البيضاء، وأنه “إذا ما واصلنا القتال في غزّة من خلال الهجمات المتكرّرة على نفس الأهداف، ليس أننا لن نتسبّب في تقويض حماس فقط، بل سنتسبّب بانهيارنا، على حدّ تعبيره.
المصدر: عرب 48