تباطؤ التضخم الأميركي ينعش “وول ستريت” ويحيي آمال خفض الفائدة

أشعلت بيانات التضخم الأمريكية الأخيرة أسواق المال العالمية، مع إشارة قوية إلى تباطؤ وتيرة ارتفاع الأسعار. وقد أدت هذه البيانات إلى تعزيز التوقعات بخفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في عام 2026، مما أثر إيجابًا على أداء الأسهم والسندات. يأتي هذا التطور في ظل حالة من الحذر بسبب التشوهات المحتملة في البيانات نتيجة للإغلاق الحكومي الجزئي في الولايات المتحدة.
ورغم هذه التحفظات، استقبلت الأسواق العالمية بيانات مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) لشهر نوفمبر بارتياح، حيث سجل المؤشر أبطأ وتيرة ارتفاع منذ بداية عام 2021. كما ساهمت التوقعات الإيجابية من شركة مايكرون تكنولوجي، الرائدة في مجال الرقائق، في زيادة شهية المستثمرين، خاصةً في قطاع الذكاء الاصطناعي.
تأثير بيانات التضخم على أسواق الأسهم والسندات
ارتفع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة تقارب 1%، منهيًا بذلك سلسلة خسائر استمرت لأربعة أيام متتالية. يعكس هذا الارتفاع تفاؤل المستثمرين بشأن مسار السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي. في المقابل، انخفضت عوائد سندات الخزانة الأمريكية، مما يشير إلى توقعات بتراجع أسعار الفائدة في المستقبل.
تحفظات حول دقة البيانات
من المهم الإشارة إلى أن بيانات التضخم لشهر نوفمبر تأثرت بالإغلاق الحكومي الأمريكي، حيث لم يتمكن مكتب إحصاءات العمل من جمع البيانات بشكل كامل خلال شهر أكتوبر. وبدأ جمع العينات في نوفمبر في وقت متأخر عن المعتاد، مما يثير تساؤلات حول دقة الأرقام.
صرح جيم بيرد من “بلانتي موران فاينانشال أدفايزرز” بأن مدى تأثير هذه التشوهات على قرارات صانعي السياسات يعتمد على مدى ثقتهم في دقة البيانات. وعلى الرغم من الإيجابية الظاهرة في البيانات، إلا أن هناك شكوكًا حول إمكانية إجراء خفض للفائدة في اجتماع يناير القادم.
توقعات أسعار الفائدة
تشير عقود المبادلة المالية حاليًا إلى احتمال بنسبة 20% فقط لخفض أسعار الفائدة في اجتماع يناير. ومع ذلك، فإن السوق تتوقع بشكل كامل حدوث خفض للفائدة بحلول منتصف عام 2026. ويتوقع المتعاملون أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة مرتين على الأقل خلال العام المقبل. التضخم هو العامل الرئيسي الذي يراقبونه.
مكاسب في قطاع التكنولوجيا وتأثيرها على السوق
شهد قطاع التكنولوجيا مكاسب ملحوظة، حيث ارتفع مؤشر “ناسداك 100” بنسبة 1.5%. وقفز سهم شركة “مايكرون” بنسبة 10% بعد إعلانها عن توقعات قوية، مما عزز الثقة في قطاع الرقائق والذكاء الاصطناعي. أسعار الفائدة المنخفضة عادة ما تفضل قطاع التكنولوجيا.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت شركة “فيديكس” عن رفع توقعاتها للأرباح، بينما سجلت شركة “نايكي” قفزة مفاجئة في المبيعات. هذه المؤشرات الإيجابية ساهمت في تحسين المعنويات العامة في السوق.
أداء الأسواق العالمية
شهدت الأسواق العالمية يومًا حافلاً بقرارات السياسة النقدية. في حين أظهرت السندات الألمانية والبريطانية أداءً أضعف من نظيرتها الأمريكية، بعد أن أشار كل من البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا إلى تبني سياسات نقدية أكثر تشددًا.
أشار ستيف سوسنيك من “إنتراكتيف بروكرز” إلى أن بيانات التضخم الأمريكية وتوقعات “مايكرون” ساهمت في انتعاش أسعار الأسهم، قائلاً: “لقد انتهى توعك الأيام الماضية، والمعنويات السلبية لا تصمد أمام البيانات الإيجابية.”
تحليل بيانات التضخم وتوقعات المستقبل
أظهر تقرير التضخم أن التضخم في العديد من الفئات قد تراجع بشكل ملحوظ، بعد أن كان مستقرًا لفترة طويلة. وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي بنسبة 2.6% في نوفمبر على أساس سنوي، وهو أقل من جميع التقديرات. الذكاء الاصطناعي يمثل محركًا رئيسيًا للنمو المتوقع.
يرى بريت كينويل من “إيتورو” أن قراءة نوفمبر تقدم أملاً في تغيير مسار التضخم، لكنه شدد على الحاجة إلى بيانات إضافية لتأكيد هذا التحول. وأضاف: “رغم أن هذه قراءة واحدة فقط، فإن تراجع مخاوف التضخم قد يفتح الباب أمام سياسة نقدية أكثر تيسيراً.”
في المقابل، نصح محللو “تي دي سيكيوريتيز” بتجاهل الإشارة الإيجابية في تقرير نوفمبر والانتظار حتى صدور أرقام ديسمبر، التي من المتوقع أن تكون أكثر موثوقية. ويرى جيف روتش من “إل بي إل فاينانشال” أن التضخم قد يرتفع مرة أخرى مع صعود الطلب، لكنه يتوقع أن يتراجع في النصف الثاني من عام 2026.
بشكل عام، تشير التوقعات إلى أن الاحتياطي الفيدرالي قد يبدأ في خفض أسعار الفائدة في عام 2026، لكن هذا يعتمد على استمرار تباطؤ التضخم وتحسن أداء الاقتصاد. وستكون بيانات مؤشر أسعار المستهلكين لشهر ديسمبر حاسمة في تحديد مسار السياسة النقدية في المستقبل.

