هاغ شماغ…
منذ تولّيه السلطة اعتمد نتنياهو منع قيام دولة فلسطينيّة هدفًا وركيزة وبرنامجًا لسياسته، أضاف له ركيزتين لحكمه، فقد أوهم جمهوره بقدرته على أن يقيم اتّفاقات سلام في المنطقة وتطبيعًا مع مزيد من الدول العربيّة والإسلاميّة بدعم وتدخّل الإدارات الأمريكيّة، وخلال هذا أن يبتلع الأرض المخصّصة لهذه الدولة في الضفّة وقطاع غزّة بحسب القرارات الدوليّة، ومن ثمّ أن يجهز على القضيّة الفلسطينيّة، ويتخلّص من سلطة رام اللّه، وكذلك سلطة حماس في قطاع غزّة كلّ على حدة، وسنّ قانون القوميّة الموجّه أساسًا ضدّ المواطنين العرب الفلسطينيّين في إسرائيل لحرمانهم من حقوقهم، وبناء خطّة طويلة المدى لتهجير أكبر عدد منهم، هكذا فقد صور نتنياهو لجمهوره أنّه قادر في الواقع على تحقيق حلم إسرائيل الكبرى بين النهر والبحر وفرض السلام على العرب.
ظنّ نتنياهو أنّ حركة حماس ستكتفي بأنّها صارت حكومة، وأنّ المال والكرسيّ سوف يفسدها ويفسد قادتها إلى يحين وقت إنهائها، فتكون لقمة سهلة، إلى أن جاءت مفاجأة السابع من أكتوبر لتثبت فشل حساباته ورؤيته، وهذا أدّى إلى الحرب الّتي ما زالت مستمرّة حتّى يومنا، ويبدو أنّها لن تنتهي قريبًا.
جاء اجتماع يوم أمس في مباني الأمّة في القدس الغربيّة بحضور اثني عشر وزيرًا في حكومة نتنياهو وخمسة عشر عضو كنيست، ردًّا على قرارات محكمة العدل الدوليّة في هاج، الّتي كان في أحد بنودها عدم التحريض على الإبادة وتهجير السكّان، جاء ليقول إنّ القرارات ليست سارية المفعول، وإن إسرائيل فوق القوانين الدوليّة، واتّخذوا ما شئتم من قرارات، وأنّ من يبني الآمال على شرعيّة دوليّة فهو وأهمّ، لأنّ إسرائيل قويّة جدًّا وليست وحيدة، وستعمل ما يحلو لها، وحسب قول بن غبير باستهتار “هاغ شماغ” على طريقة بن غوريون في ردّه على القرارات الدوليّة “أوم شموم”!
وأعلن المؤتمرون عزمهم على تنفيذ سياسة التهجير والعودة للاستيطان في القطاع، ودعوا الدول الّتي تعارض نهج الإبادة على أن تستقبلهم كلاجئين!
هذا التوجّه هو حقيقة التفكير والاتّجاه السائد في حكومة الاحتلال بقيادة نتنياهو وهو ما يجري على أرض الواقع بقوّة السلاح وتحت وطأة التجويع والحصار القاتل، واستهداف المدنيّين بالغارات على مدار الساعة والقنص وهدم البنى التحتيّة والمباني السكنيّة والمؤسّسات المدنيّة واستهداف المستشفيات والمؤسّسات التعليميّة، والتجويع الّذي بات أقسى من الغارات، تحت سمع وبصر العالم، وهذا يشمل جامعة الدول العربيّة فهي من هذا العالم، وسبق واتّخذت قرارات خلال قمّتها مع مجموعة الدول الإسلاميّة في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، دعت فيها إلى وقف الحرب وإدخال المساعدات لمليوني محاصر، ولكنّها لم تعمل في الواقع على تطبيق قراراتها، ويبدو أنّ الدول المتنفّذة في الجامعة العربيّة محرجة جدًّا من صمود المقاومة كلّ هذه المدّة وضاقت بها ذرعًا، وكذلك بنتنياهو الّذي لم يتردّد عن اتّهام مصر بأنّها هي الّتي تغلق معبر فيلاديلفيا، فهو مع القانون الدوليّ، ولكن هناك من يمنعه!
هذا الاتّهام لم يأت من فراغ، فنظام السيسي متواطئ بالفعل، فهو لم يمارس أيّ محاولة جدّيّة لإدخال المساعدات الإنسانيّة، وطول أمد الحرب كشفه وفضحه، بعدما حاول إظهار رفضه استقبال تهجير الفلسطينيّين كعمل بطوليّ، وفي الواقع ترك الباب على مصراعيه لممارسات الإبادة الّتي يمارسها الاحتلال، واكتفى بين حين وآخر بالتعبير عن قلقه أو عدم رضاه أو أيّ جملة زئبقيّة لا تعني شيئان إلى أن جاءت تهمة نتنياهو الّتي استفزّت النظام، فالشعب المصريّ لا يقبل العار بأن يكون جيشه شريكًا بهذه الجريمة التاريخيّة.
من المفارقات أن يتظاهر مئات الجنود صباح الإثنين في مواجهة مع وزير الحرب غالانت ويطالبوه بأن”يحكي عربي” مع سكّان قطاع غزّة، و”الحكي عربي”، يعني منع دخول المياه والغذاء والدواء والوقود والقتل والتدمير بلا تمييز، وهو ما يفعله الاحتلال في الواقع، ولكن ما مصدر فكرة “الحكي بالعربيّ” الّتي تعني أقصى درجات العنف، وعدم احترام أيّ معاهدات أو اتّفاقات أو قواعد إنسانيّة! مصدرها بلا شكّ هو تعامل الأنظمة العربيّة مع شعوبها، فالحاكم العربيّ الّذي يقتل عشرات الآلاف ويسجن مئات الآلاف ويعدم الآلاف ويشرد ملايين كي يبقى في رأس السلطة أو كي يغتصبها أصبح مسطرة للتعامل مع الإنسان العربيّ.
اقرأ/ي أيضًا | الصَّفقة أو الحرب بلا نهاية…
المصدر: عرب 48