هل حصل نتنياهو على صورة النصر التي يريد؟
بقدر ما أثاره انكشاف السبب الحقيقيّ لتأجيل إفادة نتنياهو أمام المحكمة من هزل في الأوساط الإعلاميّة الإسرائيليّة، بقدر ما مثّلت صورة الأخير، وهو يتوسّط قيادته العسكريّة على قمّة في جبل الشيخ السوريّ تحدّيًا لشعوب ودول المنطقة الّتي أطلّ عليها من موقع سيطرته على القمّة الأعلى الّتي تنبسط تحتها سورية ولبنان والأردنّ وفلسطين وتطاول بصريًّا مناطق أبعد من ذلك.
وإن كان الهزل الإعلاميّ الإسرائيليّ مردّه الهالة من السرّيّة الأمنيّة الّتي جرى تغليف طلب نتنياهو بها، والّتي كادت توحي بأنّ الأخير على وشك أن يشنّ الحرب على دولة أخرى، بعد نجاحاته المشجّعة في لبنان وسورية، وليس القيام برحلة استجمام والتقاط صورة جماعيّة في القمّة السوريّة المحرّرة المحتلّة حديثًا من جبل الشيخ، كما وصفها أحد الصحفيّين الإسرائيليّين.
صحفيّ آخر لفت إلى أنّ نتنياهو عثر أخيرًا على صورة النصر الّتي كان يبحث عنها، في قمّة جبل الشيخ المشرقة، وليس من كيبوتس نير عوز الّذي تمّ إهداره في السابع من أكتوبر، والّذي ما زال الكثير من سكّانه أسرى في غزّة، بينما قتل كثر آخرون منهم، ويصارع من تبقّوا على إعادة ترميم حياتهم وحياة جاليتهم.
نتنياهو، والقول لنا، كان يبحث منذ بداية الحرب على غزّة عن صورة انتصار خارجها، فعندما فشل في اغتيال محمّد ضيف في غزّة ذهب لاغتيال العاروريّ في بيروت وعندما أخفق في اغتيال السنوار في القطاع ذهب لاغتيال هنّيّة في طهران، ولمّا أدرك أنّ غزّة لن تمنحه صورة النصر تلك هرب إلى الجبهة الشماليّة، وبعد النجاحات الّتي حقّقها في لبنان جاءته سورية على طبق من ذهب، إلّا أنّ لعنة غزّة ظلّت تطارده، رغم “الانتصارات” الخارجيّة ورغم القتل والدمار الّذي أحدثه فيها، وحتّى عندما قتل السنوار في مواجهة عسكريّة روتينيّة تحوّلت صورته وهو قابض على سلاحه، بيده السليمة، إلى أيقونة ثوريّة فاقت مشهديّتها أيقونيّة صورة جيفارا المسجّى في أحراش بوليفيا.
لهذا السبب لم يشف نتنياهو بعد 14 شهرًا من حرب الإبادة غليله من غزّة، رغم تحويلها إلى كومة ركام، والقضيّة لا تنحصر فقط في إصراره على تحرير الأسرى الإسرائيليّين بقوّة الذراع ودون الانصياع لشروط حماس فقط، بل في غريزة الانتقام الّتي لا حدود لها، على الصفعة المهينة الّتي وجّهتها له غزّة في السابع من أكتوبر. في هذا السياق كتب رافي فالدان وهو طبيب جرّاح وضابط احتياط وناشط في مجال حقوق الإنسان، مقالًا بعنوان “إلى متى سنواصل الانتقام من الغزيّين”، يقول فيه، من الجدير التوقّع أنّه بعد قتل 40 ألف الكثير بينهم من الأطفال والنساء وجرح أعداد كبيرة أخرى، وبعد تدمير البنى التحتيّة وإجلاء السكّان إلى العراء والجوع، فإنّ خزّان الانتقام قد امتلأ، لكنّ الأمر ليس كذلك، فما زالت أصوات مواطنين وسياسيّين ومحلّلين تطالب بمنع الغذاء والدواء وحتّى مياه الشرب عن سكّان غزّة.
التحقيق الّذي نشره ملحق “هارتس” حول محور “نيتساريم” يبيّن كيف يجري بعض من هذا الانتقام على أرض الواقع، حيث ينقل على لسان أحد الضبّاط أنّ تنافسًا يجري بين الفرق والوحدات العسكريّة على من يقتل أكثر، فإذا صرّح الناطق بلسان الجيش أنّ الفرقة الفلانيّة قتلت 150 فلسطينيًّا، يصبح هدف الفرقة التالية قتل 200 فلسطينيّ، مشيرًا إلى أنّهم يقتلون مدنيّين ويحتسبونهم عسكريّين.
إنّها حرب حتّى “أبد الآبدين”. هكذا يتصرّفون في عصابات الإجرام، كما يقول الكاتب يوسي كلاين، يأتي الناس إلى زعيم العصابة، ويقولون نحن معك التزمنا بكلّ القواعد، وأطعنا كلّ القوانين، لم نعص ولم نضرب، من فضلك أوقف الحرب وأعد الرهائن، فيجيب الزعيم، أعطوني سببًا واحدًا يجعلني أذهب إلى صفقة شاملة تعيد جميع الرهائن، وتقودني إلى لجنة تحقيق رسميّة وانتخابات.
هكذا هو نتنياهو، يستطيع أن يسجّل ما شاء من الانتصارات على الجيوش المهزومة من سيناء إلى أعالي جبل الشيخ، لكنّه لن ينتصر على مقاومة شعب، ولن يستطيع كسر صمود نساء وأطفال ورجال غزّة مهما أطال من أمد الحرب.
المصدر: عرب 48