هل من نهاية للحرب على غزّة في الأفق؟
لا تظهر أي مؤشرات قوية إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يتّجه صوب إنهاء الحرب على غزّة. وبالرغم من كل ما يُذاع بشأن حدوث تقدّم في طريق التوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس، يسود إجماعا في وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن ثمّة سيناريو واحدا من الصعب أن يتحقق، وهو نهاية الحرب، ونتنياهو غير مستعد لمناقشة هذا السيناريو. لذلك لا تتحرّك صفقة شاملة لإطلاق المخطوفين، بل يجري الحديث بشأن صفقة جزئية “تضمن استمرار الحرب”.
وما تؤكده مصادر إسرائيلية مطّلعة على مفاوضات صفقة التبادل أن وضع الاتصالات تغيّر كثيرا بعد اغتيال قائد “حماس” يحيى السنوار، ولكن الأمر الأبرز أن نتنياهو عزّز حجته بشأن ضرورة الاستمرار في الحرب.
لعلّ ما يمكن التنويه به ما يلي: أولا، تتّجه الأنظار في الوقت الحالي إلى قرب تسلم الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب مهمات منصبه يوم 20 كانون الثاني/ يناير الحالي. والتوقعات في إسرائيل أن ترامب يريد إعادة كل المخطوفين الإسرائيليين، وأحيانا يدعو إلى إنهاء الحرب.
ولكن الانطباع العام أن نتنياهو ليس متحمّساً للصفقة التي ستنطوي، من وجهة نظره، على تنازلات شديدة الوطأة، وعلى مشكلات سياسية تخصه، ويفضّل المحافظة على الوضع القائم الذي يعني استمرار الحرب. ويعتقد الوزير المقرب منه، رون ديرمر، والذي يتولى ملف العلاقة مع واشنطن، أنه سيكون بالإمكان تحقيق هذه الرغبات برعاية ترامب.
ثانياً، في الواقع، إلى جانب الإجماع السالف ثمّة قناعة إسرائيلية سائدة أن الحرب في غزّة أصبحت أكثر حرب سياسية عرفتها إسرائيل. وبحسب أكاديميّ سكّ هذا التعريف، باتت الحرب منذ عدة أشهر من دون أدنى منطق، وتشتمل على مطاردة سيزيفية لا تنتهي، هدفها الوحيد تدمير حركة حماس حتى عنصرها الأخير، وهو هدفٌ غير قابل للتحقيق، ناهيك عن حقيقة أنه ليس هناك أيّ حرب في العالم “تطمح إلى القضاء على العدو جسديّاً حتى آخر عنصر”!
ثالثاً، بعد مرور 14 شهرا على الحرب، يرى إسرائيليون كثر أن هناك سلسلة من الإنجازات مسجلة باسم نتنياهو، ومثلما كان هو المسؤول عن هجوم 7 أكتوبر (2023) هو المسؤول أيضاً عن اغتيال السنوار وحسن نصر الله وقيادة حزب الله، وعن عملية “البيجر” وأجهزة التواصل، وعن إضعاف المحور الإيراني عموماً.
في المقابل، تبدو المعارضة له في الساحة الحزبيّة بلا حول ولا قوة، ومن غير بديل سياسي. وليس مبالغة في القول إن رئيس الحكومة في أفضل مكان يمكن أن يكون فيه سياسيّاً، فقد اتسعت قاعدة حكومته إلى 68 نائباً. ومعظم الخلافات الداخلية في الائتلاف تبدو صعبة، ولكن ليس من شأنها أن تغيّر شيئاً على الصعيد الاستراتيجي. وما يظهر أنه ثابت أن لدى هذا الائتلاف مصلحة استراتيجية في البقاء.
رابعاً، في ما يتعلق بمسلك إدارة ترامب، عيّن نتنياهو رئيس ديوانه السابق يحيئيل ليتر سفيراً مقبلاً لإسرائيل في واشنطن. ويُعَد هذا ممثلاً للتيار الأيديولوجي لدى المستوطنين، ويشي تعيينه بالاتجاه الذي يتطلّع إليه نتنياهو، وهو اعتراف أميركي بضم المستوطنات في الضفة الغربية. ويبدو، وفقاً لتقارير متطابقة، أنه يتطلّع أيضاً إلى احتلال شمال قطاع غزّة بشكل زاحف.
وفي الإجمال العام، يحلم نتنياهو، مثلما يُشار في الفترة الأخيرة، بما يرى فيه، وسيراه المفتونون به بمثابة إنجاز حياته، وهو توسيع مساحة إسرائيل لأول مرة، بعد أكثر من 50 عاماً من الانسحابات التي بدأت باتفاقيات فصل القوات، في أعقاب حرب أكتوبر (1973)، نظراً إلى أنه آن أوان مثل هذا التوسّع. ووفقاً لتعابير أبواقه، هذا سيكون “النصر المطلق” الخاص به، والردّ الصهيوني الأمثل على هجوم 7 أكتوبر، وعلى عملية الخطف، وعلى مشاعر الإذلال التي لحقت بإسرائيل وجيشها الأقوى في المنطقة.
المصدر: عرب 48