Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

وجهة نظر في الإجابة عن أسئلة الانتقال وإشكالية من يحكم سورية؟

في أدبيات العلوم السياسية وحقل التحول الديمقراطي، يشير مصطلح “الانتقال” إلى عملية إجرائية تتضمن وجود طرفين في معسكرين متناقضين ومتصارعين يرغبون بإحداث “تغيير” ينهي أزمة حادة أو استعصاء سياسيا لا يمكن حسمه عسكريًا؛ جناحين متشدد ومرن (Hard Liners vs Soft liners) كما في تجارب أميركا اللاتينية؛ انقلاب عسكري يسلم السلطة للمعارضة كما في البرتغال؛ مبادرة من النظام لإنضاج توافقات ميثاقية مع المعارضة “Pacts” كما هو الحال في أوروبا الشرقية.

بهذا المعنى، يرتبط الانتقال بوجود فترة ومسار “انتقالي” تقوده هيئة أو جسم انتقالي حتى يترسخ النظام الجديد٬ والترسخ بحسب منظري الدمقرطة الليبراليين، يحصل بعد دروتين لانتخابات عادلة ونزيهة “Free and Fare Election”.

بالإسقاط على الحالة السورية، لا يمكن توصيف ما جرى بالانتقال لأن النظام سقط بطريقة عسكرية من قبل “حركة عسكرية معارضة” وقد أدى انهيار النظام إلى انهيار الدولة نتيجة انحلال الجهاز القسري “الأمن والجيش” الذي يختصر التعريف الفيبري للدولة لتحل محله “حكومة التمرد” التي أسقطت النظام. باختصار، ما يجري في سورية لا يعد انتقالا، بل “تأسيس جديد” نتفق أو نختلف عليه. من هنا، وبحكم تجارب التاريخ، تميل حركات التمرد أو التحرر التي تصل إلى السلطة بطرق عسكرية أن تحكم وتفضل أن تحكم بنفسها وبفريقها على الأقل بالمفاصل السيادية الحساسة. وعليه، سيكون من غير الواقعي مطالبتها بألا تحكم، وقد يكون من غير الواقعي مطالبتها بتقاسم واسع للحكم على الأقل في بدايات حصول التغيير.

السؤال الأخير جوهري في تأطير عمل الحركات الاجتماعية والسياسية في المرحلة القادمة خارج التنافس على المناصب والذي قد يعرضها لانتقادات لا سيما أن من يحكم يتسلح بذخيرة معنوية ضخمة تعبر عنها “شرعية الإنجاز” بإسقاط النظام

قد يقول قائل بأن الطرح السابق يعبر عن إقرار أو استسلام للوضع القائم الذي لا يتناسب مع حالة ثورة شعبية قدمت من أجلها تضحيات جسام من قبل شرائح مجتمعية كبيرة وقوى سياسية عديدة لتحكم حركة مسلحة “بشرعية الثورة” مع أن الأخيرة لم تعترف بالثورة، خطابها، رموزها، وأهدافها إلا في مرحلة متأخرة؛ تساؤلات محقة تتطلب إجابات سياقية نراها على الشكل الآتي.

من غير المهم بالنسبة لنا من يحكم حاليا، فالأهم هو كيف سيحكم؟ السؤال الأخير جوهري في تأطير عمل الحركات الاجتماعية والسياسية في المرحلة القادمة خارج التنافس على المناصب والذي قد يعرضها لانتقادات لا سيما أن من يحكم يتسلح بذخيرة معنوية ضخمة تعبر عنها “شرعية الإنجاز” بإسقاط النظام، والتي كانت خارج متناول السوريين أو توقعاتهم.

باختصار، فإن لب العمل السياسي يجب أن ينصب على الضغط على القوى الحاكمة من أجل “التوافق” على المبادئ والآليات التي سيحكمون بها بما فيها طريقة وإجراءات إدارة الدولة في المرحلة التأسيسية والتي من شأنها أن تسمح بإدارة الخلافات والصراعات السياسية بطريقة سلمية وتمهد الطريق لبناء دولة مدنية وديمقراطية بطريقة تراكمية بحيث لا يتطلب إنجاز التغيير فيها ثورة جديدة.

انطلاقا من المقولة التأسيسية “لا ديمقراطية دون ديمقراطيين” فإن مهمة النخب السياسية اليوم الاستفادة من هامش الحرية المتاح بعد إسقاط النظام واستعادة المجال العام الواقعي لا الافتراضي

يعرف “التوافق” أكاديميا بأنه “طريقة غير ديمقراطية” ويوصف بأنه “أسهل الطرق للوصول إلى الديمقراطية” لأن الأخيرة دونها كثير من التضحيات وتتطلب مراحل تمهيدية لتتحقق عناصر مهمة أبرزها توافر الإجماع على الدولة، التحديث، التعلم الديمقراطي، طريق صعب وطويل لكنه ليس مستحيلا، وكما خضعت القوى الحاكمة نتيجة الضغط السياسي وتفاعلاتها مع المجتمعات المحلية في المرحلة السابقة إلى تحولات سلوكية وتنظيمية مهمة مع بضع التحولات الإيديولوجية فإن “تغيرها” ما يزال ممكنا ومتاحا وقد يكون أسرع بحكم دخول “العامل الخارجي والعلاقات الدولية” على الخط بعد انتقالها من السمة “الفصائلية” إلى السمة “الدولتية”.

قامت الثورة السورية من أجل الحرية والكرامة والسعي لبناء دولة ديمقراطية، وهي بهذا المعنى ليست معنية بإسقاط النظام وتغيير الحكم فقط، بل بإنجاز نظام ديمقراطي بديل. وانطلاقا من المقولة التأسيسية “لا ديمقراطية دون ديمقراطيين” فإن مهمة النخب السياسية اليوم الاستفادة من هامش الحرية المتاح بعد إسقاط النظام واستعادة المجال العام الواقعي لا الافتراضي وتنظيم جهودها وتأطيره لخدمة هذا الهدف خارج المصالح الشخصية والآنية.



المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *