وسط دمار غزة… مبادرة تعليمية تعيد الأمل لطلبة الثانوية

رغم الدمار الهائل الذي طاول المدارس والمؤسسات التعليمية خلال الحرب، يواصل طلاب الثانوية العامة في غزة تلقي دروس تعويضية ضمن مبادرة "غراس الأمل"، التي انطلقت بجهود تطوعية لتعويض ما فاتهم من تعليم.
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
وفي مدرسة "مسقط" الحكومية بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، يحضر العشرات من طلبة الثانوية العامة دروس تعليمية في محاولة لتعويضهم عما فاتهم خلال حرب الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل على مدار أكثر من 15 شهرا.
هذه المحاولة لاستدراك المواد الدراسية جاءت ضمن مبادرة تطوعية انطلقت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، تحت متابعة وزارة التربية والتعليم وحملت اسم "غراس الأمل".
ورغم الدمار الذي طاول مدرسة "مسقط" خلال الحرب، إلا أن عشرات من الطلبة ما زالوا يتوافدون إليها في إطار تحضيراتهم للتقدم لامتحانات الثانوية العامة المقررة قبل منتصف العام الجاري.
وفي أحد الصفوف التعليمية، تجلس عشرات من الطالبات على الأرض يتابعن دروسهن ويكتبن ملاحظاتهن على دفاتر مستعملة وأوراق في ظل نقص القرطاسية بالقطاع.

وفي العادة، يضم الصف الدراسي الواحد عشرات من المقاعد بما يكفي أعداد الطلبة فيه، إلا أن القصف الإسرائيلي وظروف النزوح تسببت في فقدان الكثير من المقاعد.
الطالبة رؤى أبو عون، واحدة من اللواتي يتجهزن لامتحان الثانوية العامة، قالت إنهن مررن بظروف نفسية صعبة جدا خلال الحرب، أعاقتهن عن متابعة الدروس بشكل ذاتي.
وأوضحت أن ظروف الدراسة أيضا ضمن المبادرة التعليمية التي انطلقت خلال الحرب، كانت قاسية، كما كافة ظروف الحياة آنذاك.
وأعربت عن طموحها في استكمال العملية التعليمية دون كلل، مطالبة العالم بتقديم العون لقطاع غزة خاصة الطلبة في ظل نقص توفر القرطاسية.
وختمت قائلة إنها تحاول جمع أي قصاصة ورقية لحل المسائل الرياضية أو الفيزيائية في ظل عدم توفر قرطاسية لديها.
"غراس الأمل"
وبحسب وزارة التربية والتعليم العالي بقطاع غزة، فإن مبادرة "غراس الأمل" انطلقت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 تحت شعار "رغم الألم سيزهر الأمل".
وتابعت الوزارة في بيان نشرته الثلاثاء: "المبادرة الوجاهية خرجت من بين ركام الألم، وويلات الحرب لتنفض غبار اليأس عن كاهل طلبة الثانوية العامة في مخيم النصيرات، في محاولةٍ لغرس الأمل وتعويضهم جزءا مما فاتهم على مقاعد الدراسة بسبب الحرب والنزوح".

وأوضحت أنه منذ انطلاق المبادرة فإن معلمي الثانوية العامة بادروا بـ"التطوع وبذل ما لديهم من جهدٍ في كافة المباحث الدراسية من خلال الرزم التعليمية".
وأشارت إلى أن فريق المبادرة اختتم مطلع شباط/ فبراير الجاري المرحلة الأولى مع طلبة الثانوية العامة (مواليد) 2006.
ولفتت إلى أن المرحلة الثانية من المبادرة مع طلبة الثانوية العامة (مواليد) 2007، انطلقت الثلاثاء بمشاركة نحو ألف و800 طالب وطالبة في الفروع العلمي والأدبي والشرعي.
دراسة تعويضية
من جانبه، يقول مدير مدرسة "مسقط" سمير ثابت، إنهم بدأوا بالعام الدراسي منذ 3 شهور في إطار المبادرة، مع طلبة الثانوية العامة من مواليد 2006 والذين من المقرر أن يتقدموا للامتحانات خلال آذار/ مارس أو نيسان/ أبريل المقبل؛ وفق ما تحدده الوزارة في الضفة الغربية.
وتابع أنهم بدأوا قبل فترة وجيزة المرحلة الثانية مع طلبة الثانوية العامة من مواليد 2007، الذين سيتقدمون للامتحانات في حزيران/ يونيو المقبل.
وأوضح أن استيعاب الطلبة والطالبات جاء لتعويضهم عن الدروس التعليمية التي فاتتهم جراء حرب الإبادة الجماعية وانقطاعهم عن الدراسة لنحو عام ونصف.
وأضاف أنه كان لا بد للطلبة "استعادة معلوماتهم ضمن أجواء وبيئة أقرب للطبيعية بعد انقطاعهم عن العملية التعليمية".

وذكر أنه تم وضع برنامج يتم فيه استكمال الحزم التعليمية في الفترة المتبقية حتى موعد امتحانات الثانوية العامة، بمعدل 4 حصص يوميا بواقع 4 ساعات.
الدراسة لإكمال الحياة
بدوره، يقول الطالب يوسف السلول، أحد طلبة المبادرة، إن افتتاح المدرسة كان أمرا استثنائيا وسط الظروف السيئة التي مروا بها خلال أشهر الإبادة.
وأضاف "عشنا في الحرب أسوأ الأيام من قصف ونزوح وأوضاع صعبة ونقص مياه".
وتابع "خلال الحرب الفقر كان موجودا، والفقد والجوع والإصابات حيث كنت مصابا ومكثت في المستشفى، فيما لم يتوفر لا أدوية ولا دراسة".
وأشار إلى أنه يسلك مسافة طويلة للوصول إلى المدرسة لتلقي الدروس التعويضية لتمكينه من اجتياز امتحان الثانوية العامة من أجل "استكمال الحياة".
وختم قائلا عن استكمال التعليم وسط هذا الدمار والمأساة: "صحيح لا يوجد مقومات للحياة في غزة، لكن رائحة البِر خير من عدمه".
استجابة طارئة
وفي تصريح سابق، قال مدير عام وحدة العلاقات العامة بوزارة التربية والتعليم العالي، أحمد النجار، إن الوزارة وضعت "خطة استجابة طارئة حيث تعمل بالتنسيق مع الجهات المحلية والدولية لإيجاد حلول سريعة".
وأوضح أن "الخطة تشمل استكمال العام الدراسي 2023/ 2024 وإطلاق العام الجديد 2024/ 2025 بآليات استثنائية، وعقد دورة خاصة لطلبة الثانوية العامة".
كما تتضمن الخطة، وفق النجار، "إعادة تأهيل المدارس المتضررة، وإنشاء مدارس مؤقتة وخيام تعليمية، وتعزيز التعليم الإلكتروني والتعليم المنزلي لتعويض الفاقد الدراسي، إضافة إلى إطلاق برامج دعم نفسي مكثفة للطلبة والمعلمين".

وكانت الوزارة قد أعلنت بدء التسجيل للعام الدراسي الجديد في مدارس بمدينتي خان يونس ورفح منذ 16 شباط/ فبراير الجاري، وشرعت قبل أسابيع باستصلاح مباني مدرسية تجهيزا لإطلاق العملية التعليمية في مناطق مختلفة من القطاع.
خسائر التعليم
وفي 22 كانون الثاني/ يناير الماضي، قالت وزارة التربية والتعليم بغزة إن إسرائيل قتلت خلال الحرب أكثر من 15 ألف طفل في سن التعليم المدرسي، وأكثر من 800 من العاملين في قطاع التعليم العام.
وأفادت بأن "هذا العدد المهول من الشهداء يعادل إبادة جماعية لجميع العناصر البشرية (طلبة وعاملين) في أكثر من 30 مدرسة، مما يعكس حجم الجرائم المرتكبة بحق الأطفال والطواقم التعليمية".
وأوضحت أن إسرائيل أصابت خلال أشهر الإبادة أكثر من 50 ألف طالب وطالبة؛ بعضهم أصيب أكثر من مرة، مما تسبب للعديد منهم بإعاقات دائمة تشمل بتر الأطراف والشلل وإصابات في الرأس والأطراف وفقدان الحواس.

وأضافت "في ظل ذلك تتوقع الوزارة زيادة بأكثر من خمسة أضعاف في أعداد الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة في مدارسها".
وعن خسائر التعليم العالي، قالت إن أكثر من ألف و200 طالب وطالبة من الملتحقين بتلك المؤسسات قتلوا إضافة لمقتل أكثر من 150 عالما وأكاديميا وعاملا بها فضلا عن إصابة المئات بجراح مختلفة.
وأشارت إلى أن آلاف الأطفال تعرضوا خلال الحرب لتجارب صادمة وضغوط نفسية غير مسبوقة، ما تسبب بإصابة العديد منهم بصدمات تحتاج إلى تدخلات متخصصة ب العلاج والتوجيه النفسي.
وتوقعت الوزارة "زيادة بعشرة أضعاف في أعداد الأطفال الذين سيتم تحويلهم إلى الوحدات الإرشادية المركزية أو إحالتهم للمؤسسات الشريكة المتخصصة في العلاج النفسي".
إلى جانب ذلك، فقد تعرضت نحو 95٪ من المباني المدرسية والتعليمية لأضرار مختلفة فضلا عن خروج 85٪ منها عن الخدمة نتيجة تدميرها بشكل كلي أو جزئي، وفق البيان.
"كما تم تدمير كافة مقدرات تلك المباني من أثاث مدرسي وإداري وكتب دراسية وأجهزة ومعدات"، واستهدفت إسرائيل مؤسسات التعليم العالي ما تسبب بتدمير أكثر من 140 منشأة إدارية وأكاديمية بما تحتويه من أجهزة ومعدات ومختبرات وعيادات ومكتبات.
وتقدر خسائر قطاع التعليم بأكثر من 3 مليارات دولار.
المصدر: عرب 48