Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الاخبار

محمد اشتية… خيرا فعلت واستمر في فعل الخير – بقلم : د. احمد المعروف

في بلادٍ تنهكها الالام ، وتثقلها الخرائط يكون الصوت العالي دليلًا على وضوح الرؤية والجراة العالية . في بلاد مثل بلادنا مقياسى القيادة لا يستند الى حجم التصفيق، بل بقدرة اليد على البناء، والعين على المستقبل، والقدم الراسخة في الأرض والخطط في زمن الفوضى والامل في زمن القهر والاحباط .

تلك كانت نظرية الدكتور محمد اشتية ، الذي دخل إلى المشهد الحكومي الفلسطيني من البوابة الفتحاوية الطموحة والخطط المؤطرة بلغة التكنوقراط والبلاغة السياسية، بذل كل الجهد الممكن مع رؤية تنموية واطار مؤسساتي، وذاكرة وطنية خصبة من اجل انجاز تحقق بعضه ولم يتحقق كله بسبب انحسار المال ، من اجل انجاز يكون رافعة للسياسة والوطنية.

اليوم، وبينما لم تعد الحكومة حكومته، لا يزال الرجل يطل علينا بين الفينة والأخرى، بصوته المعهود ونبرته الواثقة، يُدلي بتصريحات هنا، ويطرح حلولًا هناك، وكان آخرها مبادرته حول أزمة معبر الكرامة ، أن تلك الأزمة قديمه ومتجددة. في عهده تم فتح الجسر 24 ساعة وبتدخل دولي حتى ان الرئيس بايدن اعتبرها احدى مخرجات زيارته لفلسطين والاتحاد الأوروبي وضع اجهزة فحص لتسهيل العبور.

ما نكتبه هنا ليس قراءة في ماضٍ انتهى، بل تذكير لأحداث لا تزال يعيش معنا وفي واقعنا . وحين نكتب، فليس من باب المديح بل من أجل أن نذكر ان نفعت الذكرى لنوضح لمن اصابهم الحقد الاصفر والعمى الاسود سواء كانو فصائل ام شخوص . فالتجربة التي لا نقيمها بوعي وبموضوعية تعتبر فرصة ضائعة بلا دروس وعبر.

في حضرة الوطن الجريح، تبدو الكلمات أقل من أن تحتوي حجم التحديات التي تراكمت فوق كاهله، وأثقلته بحمولة لم تجد طريقها إلى التنفيذ الكلي لكنه عمل كل الممكن قولا وفعلا . لقد جاء الدكتور محمد اشتية إلى سدة رئاسة الحكومة محمولًا على خطاب وطني طموح، حالمًا بنقلة نوعية تعيد ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وتكسر قيود التبعية للاحتلال، وتبني اقتصادًا مستقلًا قائمًا على المعرفة، والتنمية، والانفتاح الذكي على العالم. غير أن ما طُرح في خطاب التنصيب وما تلاه من تصريحات رسمية، لم ترق للصديق اللدود ولا للعدو البغيض ، وتعرضت حكومته لحملة من مجموعة من المرتزقة لحرف البوصلة عن الواقع وعرقلة الانجاز. لقد اصر على الحوكمة الصارمة بالشعار والتفيذ ضمن الممكن .

فمنذ البدايات، طرح اشتية ما أسماه بـ”التنمية بالعناقيد”، وهي رؤية تقوم على استثمار الميزات النسبية لكل محافظة، وتحويلها إلى مركز إنتاج تخصصي مستدام. في قلقيلية تحدث عن الزراعة، وقد سجلت الزراعة هناك قفزات كبيرة وفي الخليل عن الصناعة ووضع حجر اساس للعديد من المصانع بما فيها مصانع الاعلاف للسيد ابو منشار واخرون وفي بيت لحم عن السياحة . ووضع حجر الأساس لخمسة فنادق لمستثمرين من بيت لحم . بعضها تعطل بسبب ال كورونا وذهب أبعد من ذلك وتحدث عن إنشاء صوامع للحبوب لتحقيق الأمن الغذائي وهي الان في طور البناء . لكن واقع لاكورونا وخصومات المقاصة قد أثرت على استكمال انجاز بقية خطط الحكومية. وجرى مقاطعة استيراد المواشي والعجول من اسرائيل واصبح من الممكن الاستيراد من كل العالم وليس من اسرائيل فقط . وكان هناك قفزة في معدلات التشغيل حيث تراجعت البطالة من ١٩،٢ الى ١٢،٤ . والغى التقاعد المالي لموظفي غزة واعاد كامل الرواتب لغزه بعد ان يتقاضو فقط ٧٥ ٪ . وقبل ٧ اوكتوبر٢٠٢٣ كان هناك مشاريع في غزة لوحدها بحوالي ١،٦ مليار دولار

وفي سعيه لبناء سيادة مالية، لم يكن حديث اشتية عن العملة الرقمية سوى محاولة جريئة في الخطاب، لكنها كانت فقط فكرة تحت الدراسة من اجل وضع الاليات لها . أعلن بفخر أن فلسطين “تسير في طريق إصدار عملة رقمية” تتجاوز قبضة الشيكل الإسرائيلي، لكن الطريق كان طويلا في هذا الاتجاه وشكل فريق للبنية التشريعية لذلك، واسس منظومة الدفع إلكترونية للتجاوز المبكر لازمة الشيكل الراهنة و طُرحت خطط فنية جاءت في ٤٥ مجلد عمل على انجازها جميع قيادات من وكلاء ومدراء وغيرهم وعرضت الخطط عل المجتمع الدولي الذي رحب بها وايدي الرغبة في دعمها .

كانت الشراكات الدولية التي تحدثت عنها حكومة اشتية أوفر حظًا من سابقاتها. تحدّث عن توقيع اتفاقيات مع مؤسسات مالية كبرى اوروبية وأشاد بالدعم التركي والصيني والبنك الإسلامي والصندوق العربي وامتدح موقف المملكة العربية السعودية كانت هذه الشراكات لبنى تحتية لتنشيط القطاعات الاقتصادية الاإنتاجية وفي عهده ارتفعت مساهمة الزراعة في الناتج المحلي من ٣،٥ ٪الى ٧٪ . وبنيت مشاريع تعليمية وصحية وطرق وشبكات مياه ومجاري ومشاريع مياه وكهرباء نظيفة دائمة. وحدها البيانات الصحفية التي رافقت الزيارات الرسمية كانت حاضرة لتعكس التطلعات والواقع على الأرض.

أما على المستوى السياسي، فقد أبدى اشتية رفضًا صريحًا لانفصال غزة عن المشروع الوطني، وانتقد بشدة كل محاولات خلق كيان سياسي موازٍ في القطاع. وقدم تصورًا عمليًا لإعادة بناء الوحدة الوطنية، وقدم رؤية تُدمج بها غزة ضمن آليات الحكم والإدارة والمؤسسات. جاءت استقالته في فبراير 2024 بمثابة من اجل اعطاء فرصة للوحدة الوطنية واجتماع الفصائل في موسكو وفي ذلك تشاور مع الفصائل الشركاء في الحكومه . لم يقبل اشتية تغيير قانون الاسرى رغم الضغوطات والتهديدات ولم يقبل تغيير المهناج المدرسي رغم حجب المساعدات الاوروبية تسعة اشهر وبعدها تراجعت اوروبا . اسس جامعة جديدة للتدريب المهني والتقني في نابلس . ولم يقترض قرشا واحدا من ودائع سلطة النقد وهي احتياطي للبنوك وحماية للمواطن . ورغم كل الاجراءات الاسرائيلية استمر في تحويل رواتب قطاع غزة ودون توقف شهر واحد رغم اقتطاع اسرائيل لتلك الاموال .

ما خلفه اشتية ليس مجرد تحدي في الأداء، بل تراكم وطني ومهني لمن اتى بعده . السلطة التي تسلمها كانت محاصرة، نعم لم يحررها من هذا الحصار، لكن أعاد المواجهة بشكل أكثر تحدي حيث المناطق المهددة والتى وقع فيها اعتداءات المستوطنين في حوارة وحمصة وترمس عيا والاغوار وبيوت الشهداء والاسرى. المواطن والموظف الفلسطيني في عهده شعر بفخر وطني ومعنوية عالية رغم الحصار . افطر في المخيمات في رمضان مع الاسر المستورة وغمر الناس بالتواضع وابقى على الحلم الفلسطيني حيا في وجدان الفلسطينيين في الوطن والشتات .

إن الناقد الوطني الذي يقرأ تجربة اشتية، لا يمكنه أن يمرّ على هذه المرحلة دون أن يقرّ بأنها كانت تجربة استثنائية في ادارة ازمة الكورونا وازمة المقاصة ازمة صفقة القرن . ولان الرجل يمتلك من الخلفية الأكاديمية ما كان كافي لكي يؤسس لرؤية ناضجة، لقد اصاب في الكثير ولم ينجز كامل مخططات حكومتة حيث كان بعض الوزراء غير قادرين على الانجاز . ورغم ذلك فإن من سيأتي بعده لن يبدأ من نقطة صفر.

لقد آن الأوان لأن نعترف بان التشويش على حكومة اشتية كانت دوافعة الشخصنة والتمني بالفشل ، لكن ذلك لم يثني الرجل من ان يقود باسم حركة فتح الحكومة باقتدار عالي حيث كان سبقه في رئاسة الوزراء من اعضاء اللجنة المركزية ابو مازن وابو علاء قريع . ويسجل لاداء فتح التميز وصلابة الموقف والحكمة والبراغماتية. ويحسب له انه يحيل اي انسان للتقاعد كسرا . نعم ان الشعارات وحدها لا تصنع تغييرًا، لكن الشعار خطة وأن الحكم لا يُقاس ببلاغة الخطب رغم اهميتها لرفع معنويات الناس، لكن الاهم من كل ذلك هو ما يتركه الناس من اثر قولا وفعلا . د. محمد اشتية ترك اثرا طيبا رغم صعوبة الظرف الذي ادار به الحكومة والبلاد .

*

المصدر : وكالة سوا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *