“من “إكس” إلى “غروك”.. كيف يغير “كولوسس” قواعد اللعبة؟

تشهد القدرات الحوسبية للعالم قفزة نوعية، حيث أصبحت الحواسيب العملاقة حجر الزاوية في التطورات العلمية والتقنية المتسارعة. من التنبؤات المناخية المعقدة إلى تسريع اكتشاف الأدوية، والفيزياء النووية إلى تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة، تعتمد العديد من المجالات بشكل متزايد على هذه الآلات القوية. ومع اقتراب عام 2025، يتسارع السباق العالمي للسيطرة على موارد الحوسبة، مما يؤدي إلى ظهور جيل جديد من الحواسيب العملاقة القادرة على معالجة بيانات تصل إلى مستويات “إكزافلوب” – أي مليار مليار عملية حسابية في الثانية الواحدة. هذا التطور يغير قواعد اللعبة في البحث والتطوير، ويضع معايير جديدة للأداء.
صعود الحواسيب العملاقة: المنافسة العالمية وتطور الأداء
تهيمن الولايات المتحدة حاليًا على قائمة أسرع الحواسيب العملاقة في العالم، حيث يتصدر “إل كابيتان” القائمة يتبعه “فرونتير”. ويحقق “أورورا”، وهو حاسوب أمريكي آخر، أداءً مثيرًا للإعجاب يصل إلى 1012 “بيتافلوب”. تُظهر هذه الأرقام تفوق الولايات المتحدة في مجال الحوسبة عالية الأداء، مدعومًا بالاستثمار الحكومي والخاص الضخم.
إلا أن هناك جهودًا دولية متنامية لمجاراة هذا التقدم. يحتل “جوبيتر بوستر” الألماني المرتبة الرابعة، بينما يحل حاسوب “إيغل” التابع لشركة مايكروسوفت في المركز الخامس، مما يعكس تحولًا نحو الحوسبة السحابية. وفي آسيا، يظل “فوغاكو” الياباني قوة مؤثرة في المركز السابع، في حين يحتل “لومي” الفنلندي المركز التاسع، مما يدل على التزام أوروبا بتطوير قدراتها الحوسبية.
ومع ذلك، يشهد المشهد الحالي تحولًا ملحوظًا نحو الحواسيب العملاقة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. تتجه الشركات الكبرى بشكل متزايد نحو بناء وإدارة مراكز بيانات ضخمة خاصة بها، مما يقلل من اعتمادها على الحكومات والمنظمات البحثية التقليدية. التركيز الآن ينصب على عدد شرائح معالجة الرسوميات (GPUs) بدلاً من مقاييس الحوسبة العلمية التقليدية.
“كولوسس”: عملاق الذكاء الاصطناعي يغير قواعد اللعبة
في هذا السياق، يبرز “كولوسس” كأكبر حاسوب عملاق مخصص للذكاء الاصطناعي في العالم. ورغم عدم إدراجه رسميًا في قائمة الحواسيب العملاقة التقليدية بسبب تركيزه على حوسبة الذكاء الاصطناعي، إلا أن “كولوسس” يمثل نقلة نوعية في هذا المجال. تم تصميم وبناء “كولوسس” من قبل شركة xAI، وهي شركة تابعة لإيلون ماسك، بهدف تدريب نماذجها اللغوية الكبيرة المسماة “غروك”.
يُمكّن “كولوسس” نماذج “غروك” من دمج البيانات في الوقت الفعلي، مثل الأحداث الجارية وحالة المرور ومشاعر الجمهور، مباشرة من منصة “إكس” وشبكات الاستشعار التابعة لشركة تسلا. هذه القدرة تجعل “غروك” مختلفة عن النماذج اللغوية الكبيرة التقليدية، التي تعتمد على مجموعات بيانات ثابتة ومحددة. بالإضافة إلى ذلك، يساهم “كولوسس” في تطوير تقنيات القيادة الذاتية في تسلا، والمحاكاة في سبيس إكس، وأبحاث واجهة الدماغ والحاسوب في شركة نيورالينك.
يمثل تطوير “كولوسس” إنجازًا هندسيًا ولوجستيًا كبيرًا. في غضون 122 يومًا فقط، تم تحويل مصنع مهجور إلى أكبر موقع تدريب للذكاء الاصطناعي في العالم – وهو وقت أقصر بكثير من الـ 4 سنوات التي تستغرقها عادةً مراكز البيانات التقليدية. خلال 19 يومًا، تم تجهيز “كولوسس” بـ 100 ألف شريحة رسوميات من نوع “إتش 100” من إنفيديا.
ولم تتوقف xAI عند هذا الحد، بل قامت بتوسيع سريع لقدرات “كولوسس” خلال 92 يومًا، حيث أضافت 50 ألف شريحة رسوميات أخرى من نوع “إتش 100″، بالإضافة إلى 50 ألف شريحة من نوع “إتش 200” و 30 ألف شريحة من نوع “جي بي 200”. وبعد هذه التوسعات، يصل استهلاك “كولوسس” الإجمالي للطاقة إلى حوالي 300 ميغاواط، مع توفير سرعة نقل بيانات للذاكرة قدرها 194 “بيتابايت” في الثانية، ونقل شبكي لكل خادم بسرعة تصل إلى 3.6 “تيرابت” في الثانية، وسعة تخزين تتجاوز “إكسابايت”.
تحديات وفرص مستقبلية في عالم الحوسبة العملاقة
يعتمد “كولوسس” على أنظمة التبريد السائل المتقدمة، بدلاً من المراوح التقليدية، لضمان الأداء الأمثل والاستدامة. كما تلعب بطاريات “ميغاباكس” من تسلا دورًا حيويًا في إدارة إمدادات الطاقة وضمان استقرار التشغيل.
ومع نجاح “كولوسس”، أعلنت xAI عن خطط لبناء “كولوسس 2″، وهو توسعة طموحة تهدف إلى زيادة القدرات الحوسبية بشكل كبير. من المتوقع أن يستهلك “كولوسس 2” ما يصل إلى 1.2 غيغاواط من الطاقة، وأن يتضمن ما يصل إلى 550 ألف شريحة رسوميات من نوع “جي بي 200” و “جي بي 300″، مع خطط لزيادة العدد الإجمالي إلى مليون شريحة رسوميات في مراحل لاحقة. هذه التوسعات تعكس التزام xAI بالبقاء في طليعة سباق الذكاء الاصطناعي.
في الختام، يشهد مجال الحوسبة العملاقة تطورات سريعة، مدفوعة بالطلب المتزايد على معالجة البيانات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي. تتجه المنافسة نحو بناء بنية تحتية حوسبية أكثر قوة وتعقيدًا، مع التركيز على الكفاءة وتقليل التكاليف. ومع استمرار التقدم في الحوسبة الكمومية، من المتوقع أن نشهد مزيدًا من الابتكارات والاختراقات في هذا المجال خلال السنوات القادمة. يجب مراقبة تطورات الحوسبة الكمومية عن كثب، وتقييم مدى تأثيرها على مستقبل الحوسبة العملاقة والذكاء الاصطناعي.

