Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار التقنية

الوجه الآخر لتأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد والمجتمعات

يشهد العالم تحولاً تكنولوجياً سريعاً تقوده تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي باتت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. ومع هذا التوسع المطرد، تتجه الدول والمؤسسات نحو تبني هذه الخوارزميات، بينما يعتمد الأفراد عليها بشكل متزايد. ورغم المزايا التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، إلا أن الاستخدام الواسع النطاق وغير المنظم له يثير تحديات عميقة تتعلق بسوق العمل والخصوصية والاقتصاد والاستقرار الاجتماعي والأمن السيبراني، وصولاً إلى موازين القوى الدولية.

تعتبر قضية تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف من أبرز المخاوف المطروحة. تشير تقديرات دولية إلى أن ملايين الوظائف حول العالم معرضة للاستبدال الآلي، خاصة تلك التي تعتمد على مهام روتينية ومتكررة. هذا التحول يهدد بتفاقم البطالة وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مما يستدعي إعادة تقييم السياسات التعليمية والتدريبية لإعداد القوى العاملة للمهن المستقبلية.

تأثير تركيز الذكاء الاصطناعي في أيدي قوى تكنولوجية قليلة

مع التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي، يزداد تركيز الموارد الرقمية الأساسية، مثل القدرة الحاسوبية والبيانات، في يد عدد محدود من الشركات والدول. تُظهر بيانات حديثة أن الولايات المتحدة والصين تسيطران على الجزء الأكبر من هذه الموارد، مما يمنحهما نفوذاً كبيراً في هذا المجال. هذا التركيز يثير مخاوف بشأن الاحتكار والتلاعب بالبيانات، ويؤكد على ضرورة تعزيز التعاون الدولي لتوزيع هذه الموارد بشكل أكثر عدالة.

تشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة تهيمن على 70% من القدرة الحاسوبية السحابية العالمية، بينما تمتلك الصين 11%. أما بقية الدول، فلا تتجاوز حصتها مجتمعة 19%. وفي مجال المعالجات المتقدمة، تحتكر الولايات المتحدة أكثر من 80% من القدرة العالمية، بينما لا تتجاوز حصة الصين 10%.

التحيز الخوارزمي وتداعياته

تعتبر مسألة التحيز في الخوارزميات من التحديات الأخلاقية والاجتماعية التي يطرحها الذكاء الاصطناعي. فالخوارزميات تعكس في كثير من الأحيان التحيزات الموجودة في البيانات التي تدربت عليها، مما قد يؤدي إلى قرارات غير عادلة أو تمييزية. ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أن الشركات تعمل على تقليل هذه التحيزات.

على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجريت في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن دقة أنظمة التعرف على الوجوه تختلف بشكل كبير بين الفئات السكانية المختلفة. فيما كشفت تحليلات أخرى أن الخوارزميات المستخدمة في التوظيف قد تستبعد عدداً كبيراً من المتقدمين المؤهلين بسبب التحيزات البرمجية.

الذكاء الاصطناعي والخصوصية

يشكل جمع وتحليل البيانات الشخصية جزءاً أساسياً من عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يثير هذا الأمر مخاوف جدية بشأن الخصوصية وحماية البيانات. ففي كثير من الحالات، يتم جمع البيانات دون علم أو موافقة المستخدمين، وقد يتم استخدامها لأغراض غير مشروعة. وتسعى الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى وضع قوانين ولوائح لحماية خصوصية الأفراد وضمان استخدام بياناتهم بشكل مسؤول.

تأثير الذكاء الاصطناعي على الأمن السيبراني

بينما يقدم الذكاء الاصطناعي حلولاً مبتكرة لتعزيز الأمن السيبراني، فإنه يمثل أيضاً تهديداً متزايداً. يمكن للمهاجمين استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير هجمات أكثر تعقيداً وفعالية، مثل برامج الفدية الخوارزمية وهجمات التصيد الاحتيالي المستهدفة. تشير التقارير إلى أن الهجمات الإلكترونية المدعومة بالذكاء الاصطناعي قد زادت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، مما يستدعي تطوير استراتيجيات دفاعية جديدة.

وقد سجلت عمليات الاحتيال الصوتي والمرئي ارتفاعاً بنسبة 700%، مع دقة عالية في تقليد الأصوات، حيث بلغت 95%. كما يتزايد عدد الدول التي تمتلك قدرات هجومية سيبرانية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مما يزيد من خطر الصراعات الإلكترونية.

تزييف المحتوى وتأثيره على الرأي العام

يعتبر تزييف المحتوى، المعروف أيضاً بـ “التزييف العميق”، أحد أخطر التهديدات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي. فباستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، يمكن إنشاء صور ومقاطع فيديو وتسجيلات صوتية مزيفة تبدو واقعية جداً، مما يجعل من الصعب التمييز بين الحقيقة والخيال. يمكن استخدام هذه التقنيات لنشر معلومات مضللة وتشويه الحقائق والتأثير على الرأي العام.

يُقدر عدد المقاطع المزيفة بـ 8 ملايين في عام 2024، بزيادة قدرها 900% عن عام 2023. كما تُظهر الاستطلاعات أن 49% من الشركات واجهت محاولات تزوير بصري أو صوتي، وأن 60% من المؤسسات لا تستطيع تفسير قرارات خوارزمياتها.

في الختام، يمثل الذكاء الاصطناعي قوة تحويلية هائلة، ولكنها تحمل أيضاً في طياتها تحديات كبيرة. تتطلب مواجهة هذه التحديات تعاوناً دولياً قوياً ووضع قوانين ولوائح مناسبة لضمان استخدام هذه التقنيات بشكل آمن ومسؤول. من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة مزيداً من التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يستدعي الاستمرار في الرصد والتحليل والتكيف مع التغيرات الجديدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *