الزراعة في لبنان تمرّ في أسوأ مراحلها
وفي منطقة البقاع، حيث السهول المترامية المساحة الّتي تشكّل السلّة الغذائيّة للبنان، يقول رئيس نقابة المزارعين إبراهيم ترشيشي إنّ الزراعة في لبنان تمرّ في “أسوأ مراحلها” في تاريخها الحديث.
موسم الزيتون في رميش بجنوب لبنان (Getty)
قبل أسابيع، اضطرّ أبو طالب إلى ترك بساتينه المزروعة بالفواكه في جنوب لبنان والنزوح إلى شمال البلاد، بعدما باتت أراضيه في قلب دائرة الاستهداف الإسرائيليّ المستمرّ في لبنان.
وعلى غرار أبي طالب، وجد مزارعون كثر أنفسهم يتخلّون قسرًا عن مواسمهم من حمضيّات وفواكه وخضار جرّاء جولة التصعيد الإسرائيليّة الأخيرة التي تستهدف مدنيّين منهم نساء وأطفال، لا سيّما في جنوب البلاد وشرقها. أمّا من أنقذ محاصيله، فيعجز عن تسويقها.
ويقول أبو طالب الّذي فضّل استخدام اسم مستعار لأسباب أمنيّة، “بدأت الحرب قبل موسم القطاف بقليل”.
ويضيف الرجل الّذي نزح من بلدة طير دبا قرب صور إلى مدينة طرابلس “تركت 12 هكتارًا من الأفوكادو والقشطة والحمضيّات.. لم نتمكّن من قطف شيء”.
ومنتصف تشرين الأوّل/أكتوبر، عاد أبو طالب في زيارة خاطفة إلى بلدته الواقعة على بعد نحو ستّة كيلومترات من مدينة صور الساحليّة، ليجدها مقفرة. ويشرح “كان المشهد مخيفًا، ما من بشر فيها”.
وبينما كان يتفقّد بساتينه، سمع دويّ غارة إسرائيليّة طالت بلدة مجاورة، على حدّ قوله، ما دفعه للعودة أدراجه من دون أن يتمكّن من إنقاذ محصول الأفوكادو الّذي عادة ما يكون مربحًا؛ لأنّه مخصّص للتصدير بشكل أساسيّ.
وأسفرت الغارات الإسرائيليّة عن استشهاد أكثر من 2960 شخصاً على الأقلّ في لبنان، بينما دفعت أكثر من 1,2 مليون شخص إلى النزوح، ما اضطرّ عددًا من المزارعين إلى التخلّي عن أراضيهم ومحاصيلهم.
ويأمل أبو طالب التوصّل إلى “وقف لإطلاق النار في أسرع وقت.
وبحسب منظّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتّحدة (فاو)، فإنّ أكثر من 1909 هكتارًا من الأراضي الزراعيّة في جنوب لبنان تضرّرت أو لم يتمّ جنيّ محاصيلها منذ بدء العدوان الإسرائيليّ على لبنان.
واضطرّ هاني سعد وهو مزارع كبير إلى التخلّي عن أربع من خمس مزارع أفوكادو وحمضيّات وقشطة وموز يملكها، أي ما يعادل 120 هكتارًا في منطقة النبطيّة (جنوب) الّتي يناسب مناخها المعتدل هذا النوع من المزروعات.
ويقول سعد الّذي غادر بلدته، وتوجّه عند أولاده في مدينة جونية الساحليّة شمال بيروت، “إذا جرى التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غضون شهر، يمكنني أن أنقذ الموسم، ولكن إن لم يحصل ذلك، عندها سيضيّع الموسم كلّه”.
وقبل فترة، اندلع حريق في أحد البساتين الأربعة الّتي لا يمكنه الوصول إليها نتيجة استهدافها بغارة، ما اضطرّ عناصر الإطفاء إلى التدخّل لإخماده.
وكان سعد يعتمد على 32 عاملًا يساعدونه في الاهتمام بأراضيه وقطاف المواسم، غير أنّ 28 منهم غادروا، خصوصًا إلى سورية المجاورة الّتي يتحدّرون منها.
وبعد شنّ إسرائيل غارات عديدة على معبرين حدوديّين رئيسيّين مع سورية الشهر الماضي، ما أدّى إلى إغلاقهما، وارتفاع نسبة المخاطر الّتي تتعرّض لها شركات النقل، ارتفعت كلفة الشحن، ما يجعل تصدير البضائع أمرًا صعبًا.
ويشرح شادي قعدان وهو مدير عامّ في شركة تصدير فواكه مقرّها في صيدا (جنوب) لفرانس برس أنّ التصدير باتّجاه دول الخليج الّتي تعدّ المنفذ الرئيسيّ للمحاصيل الزراعيّة، انخفض بنسبة أكثر من خمسين في المئة.
وأدّى الانخفاض بدوره إلى فائض إنتاج في السوق المحلّيّة، خصوصًا في مناطق تعتبر آمنة، وبالتّالي إلى انخفاض أسعار بعض الفواكه لا سيّما الموز والقشطة.
ويلخّص سعد الوضع بالقول “في النهاية، المزارع هو الخاسر”.
وقبل العدوان، كانت غلّة سعد اليوميّة من بيع الفواكه توازي خمسة آلاف دولار في اليوم. أمّا الآن، فما يتمكّن من قطفه بالكاد يدرّ عليه 300 دولار يوميًّا.
مع نفاد الوقت، بدأت الحمضيّات وثمار القشطة تتساقط على الأرض.
أمّا ثمار الأفوكادو الّتي صمدت، فهي بحاجة ماسّة إلى المياه، بعدما تسبّبت غارة إسرائيليّة في أوائل تشرين الأوّل/أكتوبر بقطع خطّ المياه الرئيسيّ الّذي يغذّي مشروع ريّ في المنطقة من نهر الليطاني.
مع ذلك، قرّر بعض المزارعين البقاء في أراضيهم، كما هو حال غابي حاج الّذي يقطن في بلدة رميش الحدوديّة الّتي تقطنها أكثريّة مسيحيّة عند الحدود، تقع في نطاق النيران المتبادلة بين إسرائيل وحزب اللّه.
وتمكّن الرجل من قطف مئة شجرة زيتون من إجماليّ 350 شجرة زيتون يملكها، بعدما اضطرّ إلى تركها من دون اهتمام أو معالجة طيلة عام بسبب عمليّات القصف.
ويوضّح أنّ الزراعة تعتبر شريان حياة لسكّان المنطقة المنعزلة الآن عن العالم.
ومنذ بدء التصعيد بين حزب اللّه وإسرائيل، أتت النيران جرّاء الغارات الإسرائيليّة على مساحات حرجيّة واسعة وحقول زيتون خصوصًا في البلدات الحدوديّة في جنوب لبنان.
وفي منطقة البقاع، حيث السهول المترامية المساحة الّتي تشكّل السلّة الغذائيّة للبنان، يقول رئيس نقابة المزارعين إبراهيم ترشيشي إنّ الزراعة في لبنان تمرّ في “أسوأ مراحلها” في تاريخها الحديث.
ويضيف متأسّفًا “شهدت أربع حروب، ولكن لم أشهد مثل هذه الحرب”.
وأسفر العدوان الإسرائيلي على لبنان إجمالا عن ألفين و986 قتيلًا و13 ألفا و402 جريح، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، فضلًا عن نحو مليون و400 ألف نازح، وجرى تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد 23 سبتمبر الماضي.
المصدر: عرب 48