تستعد الصومال لإجراء أول انتخابات مباشرة لرئاسة البلاد منذ عقود، حيث من المقرر أن يبدأ التصويت الشعبي يوم الخميس المقبل. تأتي هذه الخطوة التاريخية وسط إجراءات أمنية مشددة وخلافات سياسية متصاعدة بين الحكومة الفيدرالية وجماعات المعارضة. وتشكل هذه الانتخابات منعطفًا هامًا في مسيرة الدولة الصومالية نحو الاستقرار والديمقراطية.
ستجرى الانتخابات في جميع أنحاء البلاد، مع التركيز على المراكز الرئيسية في العاصمة مقديشو والمدن الإقليمية. ومن المتوقع أن يشارك فيها ملايين الصوماليين المؤهلين لاختيار رئيسهم بشكل مباشر لأول مرة. يراقب المجتمع الدولي هذه العملية عن كثب مع إبراز أهمية تحقيق انتقال سلمي للسلطة.
أهمية الانتخابات المباشرة في الصومال
تُعد هذه الانتخابات المباشرة لحظة فاصلة في تاريخ الصومال الحديث، حيث تمثل تحولاً كبيراً عن نظام “العشائر” التقليدي الذي هيمن على عملية اختيار القادة لعقود. تقليدياً، كانت المجالس الوطنية التي تضم كبار العشائر هي من تختار الرئيس، مما أثار في كثير من الأحيان اتهامات بالفساد والتلاعب.
التحديات الأمنية والسياسية
تواجه عملية الانتخابات تحديات كبيرة، أبرزها التهديد المستمر من حركة الشباب المتطرفة. وقد كثفت الحركة هجماتها في الأسابيع الأخيرة في محاولة لإعاقة الاستعدادات للانتخابات وزعزعة الاستقرار. صرحت الحكومة الصومالية بأنها اتخذت جميع التدابير اللازمة لضمان سلامة الناخبين والمراقبين.
بالإضافة إلى التحديات الأمنية، هناك خلافات سياسية عميقة بين الحكومة الفيدرالية وحلفائها من جهة، وجماعات المعارضة من جهة أخرى. تدور هذه الخلافات حول قضايا مثل توزيع السلطة، وتقاسم الموارد، وتعديل الدستور. وتخشى بعض الأطراف من أن تؤدي هذه الخلافات إلى العنف وعدم الاستقرار بعد الانتخابات. وتشمل النزاعات الأخيرة النزاع حول اللجان الانتخابية وتوزيع المقاعد.
الاستعدادات اللوجستية
بذلت الحكومة الصومالية جهوداً حثيثة لتجهيز البنية التحتية اللازمة للانتخابات، بما في ذلك تسجيل الناخبين، وتوفير أماكن الاقتراع، وتدريب الموظفين الانتخابيين. وقد تلقت الحكومة دعماً مالياً ولوجستياً من شركاء دوليين، مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. ولكن، هناك تقارير تشير إلى أن بعض المناطق النائية تعاني من نقص في الموارد والموظفين.
أكدت بعثة الأمم المتحدة في الصومال (UNSOM) دعمها الكامل للعملية الانتخابية، وأنها تعمل عن كثب مع الحكومة لضمان نزاهة وشفافية الانتخابات. كما أرسلت البعثة فريقاً من المراقبين الدوليين لمراقبة سير الانتخابات في مختلف أنحاء البلاد.
دور المجتمع المدني
يلعب المجتمع المدني الصومالي دوراً حيوياً في عملية الانتخابات. تقوم منظمات المجتمع المدني بتثقيف الناخبين، ومراقبة سير الانتخابات، وتقديم المساعدة القانونية للناخبين والمرشحين. كما تعمل هذه المنظمات على تعزيز الحوار بين الأطراف السياسية المختلفة.
رفعت العديد من المنظمات تقارير حول الشفافية والنزاهة ولكن أيضاً حول التحديات المتوقعة في بعض المناطق. هناك أيضًا جهود لتعزيز مشاركة المرأة والشباب في العملية السياسية.
وفي سياق متصل، تتابع السلطات الصومالية عن كثب أنشطة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لضمان عدم نشر معلومات مضللة أو خطاب يحض على الكراهية. تهدف هذه الإجراءات إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار خلال فترة الانتخابات. ويعتبر نشر نتائج غير معلنة جريمة يعاقب عليها القانون.
تهدف هذه الانتخابات إلى تعزيز الشرعية الديمقراطية للحكومة الصومالية وإعطاء الشعب الصومالي الفرصة لاختيار قادته بأنفسهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن نجاح هذه الانتخابات يمكن أن يساعد في تحسين العلاقات بين الحكومة الفيدرالية والدول الأعضاء في الاتحاد الفيدرالي، وفتح الباب أمام إصلاحات سياسية واقتصادية أوسع. تتوقع الحكومة أن تعزز هذه الانتخابات المباشرة الاستقرار السياسي.
ورغم كل الاستعدادات، يظل مستقبل الصومال السياسي غير مؤكد. ستعتمد قدرة البلاد على تحقيق الاستقرار والازدهار على مدى قدرة الأطراف السياسية المختلفة على التفاوض والتوافق على رؤية مشتركة للمستقبل. بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار التهديد الإرهابي الذي تمثله حركة الشباب يمثل تحدياً كبيراً أمام الدولة الصومالية. كذلك، فإن التحديات الاقتصادية، مثل الجفاف والفقر، يمكن أن تقوض جهود الاستقرار والتحول الديمقراطي.
من المتوقع أن تعلن اللجنة الانتخابية الوطنية نتائج الانتخابات الرسمية خلال الأسابيع القليلة القادمة. وسيراقب المراقبون الدوليون والمحليون عن كثب عملية فرز الأصوات والإعلان عن النتائج للتأكد من نزاهتها وشفافيتها.
