العمل في غزة كما في تشيرنوبل بعد تسرب الإشعاعات النووية
تقرير: “في فرق الاحتياط العسكرية، يعملون من خلال أيديولوجية حريدية – قومية واضحة. وبالنسبة لهم نشأت نافذة فرص لا تدعو إلى هزم حماس وحسب، وإنما إلى إعادة إقامة مستوطنات في قطاع غزة ومنع أي إمكانية لانسحاب في المستقبل”
مخيم البريج، أمس (Getty Images)
يتوقع أن تستأنف اليوم، الجمعة، الاتصالات حول اتفاق تبادل أسرى، حيث يلتقي وفد إسرائيلي مع مندوبي الوسطاء، في قطر، لكن هذه الاتصالات لن تفضي إلى أي اتفاق أو تفاهمات، لأن اتفاقا كهذا ليس هدفا إسرائيليا الآن.
ولا يزال في قطاع غزة 100 أسير إسرائيلي، “ومعلوم جيدا أن أقل من نصفهم على قيد الحياة”، وفق ما أفاد المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، اليوم. وبحسبه، “لا توجد هنا أي مصادفات. وثمة إمكانية لعملية عسكرية جديدة بعد جباليا، في حال انهيار الاتصالات حول اتفاق مجددا. وفي القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي يدفعون لتنفيذ ذلك”.
وتابع أن “الكثيرين هناك، وكذلك في فرق الاحتياط العسكرية، يعملون من خلال أيديولوجية حريدية – قومية (الأكثر تطرفا) واضحة. وبالنسبة لهم نشأت نافذة فرص لا تدعو إلى هزم حماس وحسب، وإنما إلى إعادة إقامة مستوطنات في قطاع غزة ومنع أي إمكانية لانسحاب في المستقبل. وعندما ينتقد وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، رئيس هيئة الأركان العامة، هيرتسي هليفي، بأنه رفض المصادقة على عمليات عسكرية قُدمت له في الأسبوع نفسه، ولا يدفع أي شخص في الجيش ثمن العلاقة المحظورة مع المستوى السياسية (أي تسريب معلومات من الجيش بشكل غير رسمي)، فإن الاتجاه الذي تهب فيه الريح واضح للجميع”.
ويتباهى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، يسرائيل كاتس، وضباط كبار في الجيش بـ”إنجازات” تحققت في سورية ولبنان خصوصا. لكن هرئيل أشار إلى أن “هذه الإنجازات لا تحل المشكلة الأساسية التي بدأت الحرب الإقليمية بسببها، وهي قطاع غزة وبالمفهوم الواسع أكثر هي الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني”.
وأردف أنه “حتى بعد الدمار والقتل الذي أنزله الجيش الإسرائيلي على القطاع، فإنه لم يُمحَ رعب مجزرة 7 أكتوبر 2023. وثمة شك كبير إذا تم ترميم كامل لمكانة الردع الإسرائيلي في المنطقة”.
ولفت إلى أنه “كلما بدت الاحتمالات لصفقة ضئيلة أكثر، تتزايد الدعوات في المؤسسة السياسية لتوسيع العملية العسكرية (في شمال القطاع) إلى مدينة غزة، وبشكل يتلاءم كليا مع خطة الجنرالات المتقاعدين (لإفراغ شمال القطاع من سكانه بالكامل)، التي ينفي رئيس هيئة الأركان العامة أي علاقة بها”.
وبحسبه، فإن عدد السكان الذين ما زالوا يتواجدون في مدينة غزة أكثر من توقعات الجيش الإسرائيلي في البداية، وأن عددهم أكثر من 100 ألف، “وينشط بينهم الآلاف من ناشطي حماس، بعضهم يعمل في الحفاظ على حكم مدني وآخرون يستعدون للمواجهة المقبلة مع الجيش الإسرائيلي”.
وشدد هرئيل على أنه “بعد ثلاثة أشهر من القتال في مخيم جباليا، وتدمير كامل لبيوت المخيم وقتل بالغ، يصعب الحديث عن هزيمة إستراتيجية لحماس. مقاومة الحركة العسكرية ضعفت، والجيش الإسرائيلي يتفوق في أي صدام، والإخلاء القسري والعنيف للسكان المدنيين من شمال القطاع كله مستمر. لكن هذا كله لا يحقق نصرا حاسما، ولا يدفع نحو صفقة” تبادل أسرى.
وتسربت الأسبوع الحالي معلومات من لجنة الخارجية والأمن في الكنيست حول استطلاع استخباراتي قدمه الجيش إلى اللجنة، وتبين منه حسب هرئيل أن هناك حوالي 9 آلاف مقاتل في إطار منظم لحماس، وعدد مشابه من الناشطين بدون هرمية تنظيمية. “ووتيرة تجنيد الناشطين الشبان للذراع العسكري أعلى حاليا من الوتيرة التي يدمر فيها الجيش الإسرائيلي هذه الأطر. وأبواق نتنياهو بات تُدخل إلى الخطاب العام فكرة أنه لن يكون هناك مفرا من إعادة احتلال مدينة غزة”.
وأشار إلى أنه تجري مداولات مكثفة حول “حلول لحكم مدني في القطاع برعاية إسرائيل. ويدور الحديث عن إقامة أربعة مراكز لوجستية في شاطئ القطاع، توزع منها مساعدات إنسانية بواسطة مقاولين مدنيين بإشراف الجيش الإسرائيلي. وفي جباليا وبلدات شمال القطاع، يجري التداول في إنشاء ’مجتمعات مغلقة’، ومراقبة، سيسمح لمواطنين فلسطينيين بالعودة إليها في المستقبل، لكنهم سيضطرون إلى السكن في خيام، في ظل عدم وجود مبان صالحة للسكن. والجيش سيسيطر على مخارج ومداخل هذه المناطق”.
وأضاف أنه في جنوب القطاع “توجد خطة لإشراك سكان محليين في السيطرة ويعملون بالأساس في الشؤون الجنائية، ويبحثون في ما إذا سيتم إشراك في إدارة الأمور أولئك المرتبطين بالسلطة الفلسطينية وحركة فتح أيضا. لكن الأمر الواضح هو أن هذا كله سيحدث فقط بعد تدمير آخر للحيز الحضري (المدن)، وإبعاد السكان بالقوة وقتل المسلحين”.
وأفاد هرئيل بأنه “في الغرف المغلقة يهمسون بتعبير مقزز، تشرنبلة غزة (المصدر اسم مدينة تشيرنوبل). فبعد التسرب من المفاعل النووي في تشيرنوبل، في العام 1986، حفر السوفييت بسرعة نفقا بهدف منع تغلغل مادة إشعاعية إلى المياه الجوفية. والمقصود هنا هو ما هو المطلوب تنفيذه في المنطقة الواقعة شمال وادي غزة كلها، أي في ممر نيتساريم، وأن يتم تدمير شامل للبنى التحتية الموجودة فوق وتحت الأرض. وفقط بعد ذلك سيكون بالإمكان البحث في عودة السكان. ولا أحد يعلم متى سيحدث ذلك”.
وفيما يدعو الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، إلى التوصل لاتفاق تبادل أسرى ولإنهاء الحرب أحيانا، إلى أن نتنياهو يرفض ذلك كي لا ينهار حكمه ويفضل بقاء الوضع الراهن على حاله.
ووفقا لهرئيل، فإن وزير الشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر، المقرب من نتنياهو، يعتبر أنه “بالإمكان نسج حلولا عدوانية كهذه، وأن حلولا كهذه لن تردع السعودية من تطبيع علاقات مع إسرائيل أيضا، وكذلك من الضلوع في تسويات في القطاع. لكن ثمة شكا كبيرا إذا كانت الرياض ستوافق، طالما يستمر القتل في غزة. وعدا المشاكل الأخلاقية الهائلة التي تتعالى من الخطة، فإنه يتعين على الضباط الذين سيتطوعون للمشاركة فيها أن يأخذوا بالحسبان إمكانية أن يجدوا أنفسهم على أجندة المؤسسة القضائية الدولية”.
المصدر: عرب 48